مع الالتفات إلى أنّ القسم الأساس والأهمّ من حياة الإنسان يبدأ بعد الموت. وأنّ سعادته أو شقاءه الأبديّين مرتهَن بإيمانه بالله والنبوّة والمعاد، وعليه فالإيمان هو الشرط القيميّ للأعمال الصالحة. وقد أشار العديد من الآيات القرآنية إلى أنّ الكفر بالله والرسول والمعاد والشرك والنفاق يوجب الخسران الأبديّ وحبط الأعمال وبطلانها وعذاب جهنم:
﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾([1]).
﴿مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيد﴾([2]).
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّور﴾([3]).
﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾([4]).
وبناءً عليه فإنّ أعمال الكفّار والمشركين وإن كان ظاهرها حسناً وبالرغم من كون نتائجها الدنيويّة مطلوبة لهم أيضاً إلّا أنّ ذلك لن ينقذهم من الشقاء الأبديّ([5]).
ومن ثمّ فإنّ الإيمان فعلٌ اختياريّ واعتقاد باطنيّ ولذا فإنّ النفاق في إظهار الإيمان يساوي من حيث نتيجة الأعمال الكفر، يقول الله في كتابه الكريم:
﴿إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعً﴾([6]).
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرً﴾([7]).
وفي رأي الإسلام أيضاً أنّ الإيمان ذو مراتب ودرجات متعدّدة وأنّه يقبل الزيادة أيضاً:
﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾([8]).
﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانً﴾([9]).
وفي المقابل فإنّ الشرك مراتب أيضاً وإن أكثر المؤمنين لديهم مرتبةٌ ما منه:
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾([10]). كذلك فإنّ الحدّ الأقلّ من الإيمان اللازم لتحصيل الحدّ الأقل من السعادة الأبدية هو الإيمان بالله الواحد الأحد ولوازمه أيّ الإيمان بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمعاد والتكاليف الدينيّة وما ورد في الكتاب السماوي كالإيمان بالملائكة والكتب السماويّة والأنبياء السابقين: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدً﴾([11]).
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير﴾([12]).
وكما أشرنا فإنّ الإيمان بكلّ هذه الأمور ناشىء عن الإيمان بالله الواحد.
ولذا فإنّ أعلى درجات الإيمان هو التوحيد الكامل الشامل لكل أقسامه أيّ التوحيد في الخالقية (لا خالق سوى الله) والتوحيد في العبودية (لا معبود سواه)، والتوحيد في الربوبية التكوينيّة والتشريعية (لا رب ولا مقنن سوى الله)، والتوحيد في الاستعانة (لا يستعان إلّا بالله)، والتوحيد في الخوف والرجاء (لا خوف إلّا منه ولا رجاء إلّا به)، والتوحيد في المحبة والرضا (لا نحب سواه وإننا راضون عنه).
وهو (أي التوحيد) منشأ كلّ الأعمال الحسنة وأفضلها.
عن محمّد بن سماعة قال: “سأل بعض أصحابنا الصادق عليه السلام فقال له: أخبرني أيّ الأعمال أفضل؟ قال: توحيدك لربّك”([13]).
وبناءً عليه فإنّ للمؤمنين درجات مختلفة أيضاً([14]).
﴿أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ ([15]).
وكما ترى فإنّ الإيمان شرط لازم لتحصيل السعادة الأخروية إلّا أنّ ذلك مشروط أيضاً بالعمل الصالح لأنّه وكما أنّ النية منشأ العمل الموافق لها فإنّ الإيمان الحقيقيّ يستلزم وجود العمل الصالح أيضاً: عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “ولكنّ الإيمان ما خلص في القلب وصدَّقته الأعمال”([16]).
وقد ذكر الله الإيمان مع العمل الصالح في أكثر من خمسين آية من القرآن الكريم واعتبر أنّ التقرّب منه والسعادة الأبدية ناتجة عنهما: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحً﴾([17]).
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾([18]).
أسس الأخلاق، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) المائدة 5: 5.
([2]) إبراهيم 14: 18.
([3]) النور 24: 39 – 40.
([4]) الزمر 39: 65.
([5]) للاطلاع على ما يتعلق بالكفر بالله ورسوله راجع: الفتح 48: 13، وحول تكذيب الآيات راجع: آل عمران 3: 4، النساء 4: 56، المائدة 5: 10 و86، الأنعام 6: 49، الأعراف 7: 36، الحج 22: 57، الزمر 39: 63.
وحول الكفر بالمعاد راجع: الأنعام 6: 27 و29 – 31، الأعراف 7: 47، يونس 10: 7 – 8، الفرقان 25: 11، النمل 27: 4، سبأ 34: 8، الزمر 39: 71.
وحول الكفر بالآيات والمعاد راجع: العنكبوت 29: 23، الروم 30: 16،
وحول الكفر بالله والملائكة والرسل والكتب والمعاد راجع: النساء 4: 136.
وحول الكفر بالإسلام راجع: آل عمران 3: 85.
وحول الشرك راجع النساء 4: 116، التوبة 9: 113، الإسراء 17: 39، الحج 22: 31، الزمر 39: 65.
وحول الشرك راجع النساء 4: 116، التوبة 9: 113، الإسراء 17: 39، الحج 22: 31، الزمر 39: 65.
([6]) النساء 4: 140.
([7]) النساء 4: 145
([8]) الفتح 48: 4.
([9]) الأنفال 8: 2.
([10]) يوسف 12: 106.
([11]) النساء 4: 136.
([12]) البقرة 2: 285.
([13]) محمّد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج3، ص 8.
([14]) أيضاً راجع: النساء 4: 95 – 96، التوبة 9: 20، الحديد 57: 10
([15]) الأنفال 8: 4.
([16]) محمّد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج66، ص 72.
([17]) سبأ 34: 37.
([18]) البقرة 2: 82.