Search
Close this search box.

معالم مدرسة الشهيد سليماني ” الولاء لأهل البيت عليه السلام” 2

معالم مدرسة الشهيد سليماني " الولاء لأهل البيت عليه السلام"

الشيخ علي شيرازي

الولاء يعني المحبة بإخلاص. الولاء لأهل بيت رسول الإسلام الأكرم، يغرس في وجود الإنسان الحب والتبعية الخالصة للأئمة الأطهار (عليه السلام)، والإقبال عليهم والتوسل بهم.

يقول الإمام الخامنئي في 28 دى 1368 [8/01/1990]، لدى لقائه ذاكري أهل البيت (عليه السلام) ومدّاحيهم[1]: «إمامنا العزيز -هذا الإنسان العظيم في عصرنا- كان يُظهر اهتمامًا فائقًا بمدح الأئمة (عليه السلام)… عندما يهتم إنسان في مثل مكانته العالية بهذا الأمر إلى هذه الدرجة، فهذا يدلّ على عظمة هذا الأمر».

بنظر هذا الإنسان الإلهي، فإنّ الحركة حول محور ولاية المعصومين وأولياء الحق تعالى؛ ستكون أساسًا للسير في الملكوت، وللتربية المعنوية ولتزكية النفس ونيل المقصد الأسنى والمرصد الأعلى[2].

كان الإمام الخميني يعتقد أنّ:

«لأهل بيت العصمة والطهارة(عليه السلام) مقامات معنويّة شامخة في السير المعنوي إلى الله تعالى، وإدراكها

أيضًا فوق طاقة البشر، وفوق عقول أولي العقول وشهود أصحاب العرفان، وكما هو ظاهر من الأحاديث الشريفة فإنهم يشتركون مع الرسول الأكرم  (صلى الله عليه وآله) في المقام المعنوي، وخُلقت أنوارهم المطهرة قبل خلق العوالم، وكانت منكبة على تسبيح الذات الإلهية المقدسة وتحميدها».

مع هذه الرؤية التي يمتلكها هذا الرجل الرباني والمعنوي والإلهي إزاء أهل البيت (عليه السلام)؛ فمن الطبيعي أن يهيم عشقًا بأولئك الأئمة المعصومين (عليه السلام) وبفاطمة الزهراء (عليها السلام)، وأن يبذل روحه في سبيل مدرستهم، وأن يدعو العالم إليهم، وأن يتوسل بهم كل صباح ومساء، وأن يجهش بالبكاء لمصائبهم، وأن يفرح لفرحهم.

ضمن تبيين مقام ومنزلة الزهراء (عليها السلام)، يقول هذا العارف الحكيم في 26 ارديبهشت 1358 [16/05/1979]: «لقد تجلّت، وكانت متجلّية، جميع الأبعاد [الكمالية] التي يمكن تصورها للمرأة، والتي يمكن تصوّرها للإنسان في فاطمة الزهراء(عليها السلام). لم تكن امرأة عادية؛ كانت امرأة روحانيّة، امرأة ملكوتية، إنسانًا بكل ما للكلمة من معنى، النموذج التام للإنسانية، الحقيقة التامة للمرأة، الحقيقة التامة للإنسان. لم تكن امرأة عادية. كانت موجودًا ملكوتيًّا تجلّى في العالم بصورة إنسان… كل درجات الكمال التي تتصور للإنسان وتتصور للمرأة موجودة بتمامها في هذه المرأة… إنها امرأة اجتمعت فيها كل خصائص الأنبياء… الروحانيات، المظاهر الملكوتية، المظاهر الألوهية،

المظاهر الجبروتية، المظاهر المُلكية والناسوتية، كلها اجتمعت في هذا الموجود».

ومن منطلق هذه الرؤية، فإن تلميذ هذه المدرسة أيضًا يرى أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) تحل المشاكل وتفك العقد، ويهتم بمدّاحيها وبأبنائها، وتفيض عيناه دمعًا عند ذكر اسمها، ويتوسل بها.

يقول حجة الإسلام سيد رضا اكرمي: «كلما كانت تعرض للحاج قاسم مشكلة في الجبهة. كان يقول: ابحثوا عن قارئ لمجالس العزاء، ليرفع مشكلتنا باسم فاطمة (عليها السلام)[3] ».

يقول السيد أحمد يوسف زاده، أسير الحرب المفروضة المحرر. ومؤلف كتاب «أولئك الثلاثة والعشرون فتى»: «في الليلة التي كان من المقرر فيها تنفيذ عملية «والفجر 8»، ظهر في الأفق غيم غير مرتقب، وانتشر في السماء. فكنّا نواجه الريح من جهة ونواجه المطر من جهة أخرى!… كان يجب على الحاج قاسم أن يعبر بغوّاصيه النهر بهدوء ومن دون ضجيج عند حلول الظلام، ليحتل خطوط العدو… لكن، ماذا كان بوسع الحاج قاسم فعله مع هذا الغيم المفاجئ والمزعج، سوى أن يجمع غوّاصي الفرقة حوله. ويكظم غيظه. ويقول بصوت هادئ وعين دامعة: إخواني! لقد وقع ما لم يكن ينبغي له الوقوع. بناءً على التوقعات. فيجب أن تكون السماء الآن صافية ويكون [نهر] أروند هادئًا، لكنه ليس كذلك. وقد بقي أمامنا سبيل واحد فقط لخوض أمواج أروند العاتية؛ أن نقسم على الماء بضلع الزهراء (عليها السلام) المكسور»[4].

أنتِ الساقي ونبع الخير الكثير والكوثر أنت النور والزهراء والمرضية وسيدة الماء. يا فاطمة ناديتُ يا غياث المستغيثين وأدركتُ شرط الاستجابة في ساحته، أنتِ يا فاطمة

وفي لقاء له بجمع من المجاهدين وعوائل الشهداء:

قال ذلك القائد القدير أثناء مرحلة قيادته لفرقة ثار الله (عليه السلام): «في عمليات «والفجر 8». حين وقعت أعيننا على مياه أروند المخيفة والهائجة والعاتية. لم يكن لدينا آنذاك اسم نعرفه أكثر من اسم الزهراء (عليها السلام). لذا، ناديناها في تألّق دموع التعبويين الغريبة والمظلومة. وسيطرنا باسم الزهراء (عليها السلام) على أروند، وعبرناه. في عمليات «كربلاء 4»، عندما فتح العدو معربدًا نار الرشاشات والقاذفات والمدافع على الساحل، وجرت أنهار الدماء نحو أروند، لم يعد أي عمل ينجع آنذاك، ولم يكن

يجري على الألسن إلا اسم السيدة الزهراء (عليها السلام)… وعندما كان العراقيون مستقرين عند ضفاف أروند يطلقون النار على المجاهدين، حينذاك أيضًا. كان سلاحنا الناجع السيدة الزهراء (عليها السلام). عندما بلغنا حدّ الاضطرار في عمليات «كربلاء 5»، ألقينا نظرة على مياه بوبيان، وحينذاك أيضًا أسندنا رؤوسنا إلى الحصن، ونادينا السيدة الزهراء (عليها السلام) عاجزين. لقد شاهدتُ حب الأم وقدرة السيدة الزهراء (عليها السلام) في الهور. غرب قناة «ماهى» [السمك]، وسط حقل الألغام. حين لم تكنّ حاضرات، أيتها الأمهات، وكان أبناؤكن يتخبّطون في دمائهم؛ شاهدت السيدة الزهراء (عليها السلام)… لقد أظهرت السيدة الزهراء (عليها السلام) أمومتها لمقاتلينا في «الهور»، كما في «كربلاء 5»، كما في أروند وجبال كردستان الباردة والوعرة»[6].

في اسفند 1365 [من 20 شباط إلى 19 آذار 1987]. وبعد عمليات «كربلاء 5»، قال في هيئة «مهديه» التابعة لمقر فرقة ثار الله (عليه السلام): «في اللحظة التي خاض فيها شباب التعبئة الماء، كان جسمي يرتعش… كنت أتحكم بالعمليات تحت نور القمر، لأرى المدى الذي يُرى فيه عناصرنا، شاهدت أنهم يُرون إلى ما بعد الشريط الشائك، وأن أعمدة الغوص تُرى جميعها. لمّا رأيت هذا أخذتني الرجفة. كنت فاقدًا للأمل. كنت أقول عاجزًا: اقرأوا دعاء التوسل، اطلبوا من السيدة الزهراء (عليها السلام) المدد. وكأنّ ستارًا أُلقي وأظلم نور القمر. لعل أحدًا لم يكن يصدّق أن فرقة ثار الله عبرت بحيرة ماهى [السمك]».

يقول حجة الإسلام أصغر عسكري، إمام جمعة مدينة رفسنجان:

«كان القائد سليماني مخلصًا للسيدة الزهراء (عليها السلام) ومعتقدًا بها بنحو خاص، ولم يكن يغيب عن لسانه ذكر «يا زهراء»[7].

يقول القائد في الحرس الثوري العميد رحيم نوعي أقدم: «عندما كان الحاج قاسم سليماني يصل إلى بوابة حرم السيدة زينب (عليها السلام)، كان يركع بركبتيه على الأرض ويقبّل أعتاب الحرم، ثم يدخله»[8].

كان يحب أولياء الله بنحو غريب. حتى آخر عمره لم تتوقف مجالس عزائه في بيت الزهراء في مدينة كرمان في المحرم وفي الأيام الفاطمية. كان يقيم في بيته عصر الجمعة من كل أسبوع مجلسًا لقراءة العزاء والتوسل. وكان يخفق قلبه لهفًا لزيارة الأئمة المعصومين (عليه السلام) وأبناء الرسول  (صلى الله عليه وآله).

يقول حجة الإسلام ياسين حسين آبادي، معاون مسجد جمكران المقدس للشؤون الثقافية:

«كان القائد سليماني يذهب، خفية وعلانية، لزيارة مسجد جمكران المقدس، من أجل العبادة والأنس بإمام الزمان |»[9].

يقول السيد مهدي صفدي أحد قادة فيلق ثار الله (عليه السلام) أثناء الحرب: «في عصر أحد أيام عام 1364 [1985]، كان الحاج قاسم سليماني على ضفاف نهر «بهمن شير» في منطقة آبادان، من أجل عمليات معينة. اتصل بي لأغادر موقع فرقة ثار الله إلى بهمن شير. انطلقت بعد صلاتي المغرب والعشاء، ووصلت بعد ساعتين إلى مقره. كان القائد في الخندق مع أربعة عناصر. سألني: أتعلم أي ليلة هي هذه؟ قلت: إنها ليلة شهادة السيدة الزهراء (عليها السلام). قال: أريدك أن تقرأ لنا عزاءً للسيدة الزهراء (عليها السلام)».

يقول الله تعالى في الآية 22 من سورة الشورى: «قُلْ لَا أَسْألُكُمْ عَلَيهِ أجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى». يقول فخر الدين الرازي في تفسيره: «لمّا نزلت آية المودة قالوا: يا رسول الله  (صلى الله عليه وآله)، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما».

ونقرأ في تفسير الزمخشري أن رسول الله  (صلى الله عليه وآله) قال: «مَنْ ماتَ على حُبِّ آل محمد مات مؤمنًا مستكمل الإيمان».

حب القائد الحاج قاسم سليماني وولاؤه هذا، مقتبس من حب القرآن الكريم ومنبعث من إيمانه الكامل.

وباقتدائه وتوسله بمقامات المعصومين (عليه السلام)، أقام معهم علاقة معرفية ومعنوية عجيبة، بحيث كان يُعدّ والهًا حقيقيًّا في بحر مودة المعصومين. كتب القائد العزيز في وصيته: «إلهي! أيها القادر العزيز، وأيها الرحمن الرزّاق! أمرّغ على عتبتك جبين الشكر والاستحياء، أن جعلتني أسير في مذهب التشيع -العطر الحقيقي للإسلام- على نهج فاطمة الزكية وأبنائها، وأن أنعمت عليّ بنعمة ذرف الدموع على أبناء علي بن أبي طالب وفاطمة الزكية، يا لها من نعمة عظيمة، هي أرفع نعمك وأثمنها، وهي نعمة فيها نور ومعنوية واضطراب يحمل في طياته أرفع درجات الطمأنينة، وحزن يختزن الهدأة والروحانيّة».

لقد استقى هذا الشهيد العزيز هذا الحب والولاء من مدرسة الإمام الخميني. كان ذاك الإمام الكبير يعتقد: «قلب المؤمن عرش سلطنة الحق تعالى وكرسيه، ومنزل ذاته تعالى المقدسة، وصاحب القلب هو الذات المقدسة. الإقبال على غير الحق تعالى هو خيانة للحق تعالى، ومحبة سوى ذاته تعالى وسوى خاصة أوليائه، التي هي محبته تعالى، هي خيانة في مذهب العرفان ومذهب ولاية أهل بيت العصمة والطهارة ومذهب مودة أهل بيت الرسالة (عليه السلام)، وعرفانهم المقدس هو أمانة الحق»[10].

كان الإمام الخميني محبًّا حقيقيًّا لأهل البيت (عليه السلام)، وعندما كان يتشرف بزيارة الأئمة المعصومين، كان يستغرق في الأئمة ويستأنس بهم إلى درجة وكأنه كان يرى هؤلاء الأئمة العظام ناظرين وحاضرين أمامه، وكان يزور بوقارٍ وسكينة تامة وباحترام خاص[11].

لذا، فعندما كنّا نرى القائد سليماني في حرم أحد الأئمة المعصومين (عليه السلام)، أو الإمام الرضا (عليه السلام)، أو في حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام) تفيض عيناه دمعًا، كنّا نوقن أن مدرسة القائد سليماني نشأت من مدرسة الخميني الكبير.

[1] الشعراء والرواديد الذين ينشدون الأشعار والمدائح أو الرثاء وقراءة العزاء.
[2] شرح حديث جنود عقل وجهل [شرح حديث جنود العقل والجهل]، ص 402.
[3] سايت جماران [موقع جماران]، 27 ارديبهشت 1399.
[4] خبرگزاری دانشگاه آزاد اسلامی [وكالة جامعة آزاد إسلامي الإخباريّة]، 9 بهمن، 1398.
[5] [الشاعرة مونا كرمي].
[6] خبرگزاری دفاع مقدس [شبكة الدفاع المقدّس الإخباريّة]، 9 بهمن 1398
[7] سايت خانه ى خشتى [موقع بيت الطين]، دى 1398.
[8] تابناك آذربايجان شرقى [لامع آذربايجان الشرقيّة]، 11 مهر 1398.
[9] سايت ابنا [موقع إيتا]، 16 دى 1398
[10] چهل حدیث [الأربعون حديثًا]، ص 480.
[11] حديث پايدارى، [حديث الثبات أو حديث الانطلاق] ص 74.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل