نعيش في عصرنا الحاضر تحت فيء إمامة المعصوم الرابع عشر. وولاية الإمام الثاني عشر من الشجرة الطيبة، ونقتات من مائدة ولايته. وإذا كانت يدنا قاصرة عن الوصول إليه، فهل يمكن أن نقول: إنَّ كلمة التوحيد الطيبة فقدت شروطها؟ وهل يمكن أن نعتبر غيبة الولي ذريعة للتنصل من العمل تمهيداً واستعداداً لظهوره؟
لا ريب في أنَّ وظيفة الموالي انتظارُ الفرج. بل يمكن القول إنَّ انتظار الفرج هو أفضل تجلٍّ للولاية. ومن أفضل أعمال المسلمين، كما أشار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: “أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله”[1].
لقد عدّ إنتظار الفرج من أفضل الأعمال. ويعلم من ذلك أنّ الإنتظار هو عملٌ وليس بطالةٌ. فلا ينبغي الاشتباه والتصوّر أنّ الإنتظار يعني أن نضع يداً فوق يد ونبقى منتظرين حتّى يحدث أمرٌ ما. الإنتظار عملٌ وتهيّؤٌ وباعثٌ على الاندفاع والحماس في القلب والباطن، وهو نشاطٌ وتحرّكٌ وتجدّدٌ في المجالات كلّها. وهذا هو في الواقع تفسير هذه الآيات القرآنية الكريمة: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[2] و﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[3]. هذا الفرج سيتحقّق، وهو مشروطٌ في أن يكون انتظاراً واقعيّاً، وأن يكون فيه العمل والسّعي والاندفاع والتحرّك[4].
فالانتظار الحقيقيّ هو الذي يمهّد الطريق لظهور الحجة عليه السلام، ومن عرَف حقيقة الانتظار، وأدرك تكليفه ووظيفته، وعمل بها، وأجهد نفسه في مسير الإعداد لصاحب الزمان، تعلّق قلبه بإمامه، وجسّد حقيقة الولاية، وكان مصداقاً من مصاديق المؤمنون بالغيب، كما ذكرهم القرآن الكريم.
حقيقة الانتظار وآثاره
لانتظار الفرج مفهومان:
الأول: مفهوم سلبي: يرتكز على مبدأ الاستسلام أمام الفساد والظلم والانحراف، واليأس من إصلاح العالم ونشر العدل قبل ظهوره، بل إن الفساد والظلم من أسباب الظهور.
الثاني: المفهوم الإيجابي للانتظار الذي يستند على أن الانتظار باعث على التحرّك لا الركود وعامل وعي ويقظة، ويطلق عادة على حالة من يشعر بعدم الإرتياح من الوضع الموجود، ويسعى لايجاد الوضع الأفضل والأصلح، وأنه يخلق روح المسؤولية، وباعث للأمل، ومصداق للعبادة، بل لقد تحدّثت الروايات عن أن الانتظار في توأم مع الجهاد. فقد سأل شخص الإمام الصادق عليه السلام: ماذا تقول فيمن مات وهو على ولاية الأئمة بانتظار ظهور حكومة الحق فقال عليه السلام: هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه – ثم سكت هنيئة – ثم قال: هو كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ونقل هذا المضمون في روايات كثيرة منها: أنه بمنزلة المجاهد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأنه بمنزلة من استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأنه بمنزلة من كان قاعداً تحت لواء القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.
أنوار الحياة، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] كمال الدين:2:357، الباب:55، وبحار الأنوار:52:128، الباب 22.
[2] سورة القصص، الآية 5.
[3] سورة الأعراف، الآية 128.
[4] الامام الخامنئيّ، إنسان بعمر 250 سنة، ص: 374،375.