د.خواسته -باحث و اكاديمي
الهدف من ارسال الرسل و بعثهم إلى البشرية بتناوب و تزامن كما هو المعلوم والواضح وخلال مطالعة التاريخ البشري منذ البداية إلى العصر الذي ختم الله تعالى به رسله وأنبيائه باكرمهم وأعظمهم نبينا محمد (ص)، هو الهداية والارشاد والتنوير وتخليصهم من الاوهام والافكار الانحرافية والشيطانية التي استولت على عقولهم وافئدتهم وجعلتهم يتخبطون في ظلمات حالكة السواد لايرون فيها الّا الشيطان وما حببه لهم من الاصنام يصنعونها بايديهم وكيفما شاؤوا ويطلبون منها الخير ويلجأون اليها عند العسر ويركعون ويسجدون لها ويقومون لها القرابين فقد تركوا وتناسوا فطرتهم التي فطرهم الله تعالى عليها وسوّغت لهم انفسهم الامارة بالسوء مايعملون. فالبعثة اذن، اضافة الي الهداية والدلالة عن الطريق الاقوم، هي في نفس الوقت القيادة نحو الافضل، وهي، ايضاً، انقاذ الناس من هوة عميقة، وصغوها لانفسهم بانفسهم. فانت ترى ان الرسل (ع)جميعاً من اولهم، ابو البشر آدم (ع) الى اشرفهم واجلهم محمد (ص).. كانوا امتداداً.. الواحد منهم للاخر حسب العصر الذي عاش فيه الرسول والمجتمع الذي انطلق منه. فقد بعث الله تعالى الانبياء من بين الناس.. وكان الناس يعرفونهم كما يعرف بعضهم البعض، وقد خاطب القرآن الكريم الامم التي بعث الله عزوجل الرسل (ع)إليها.. بالاخوة، اي، انّ الرسول هو فالحقيقة والواقع أخ لهم ومنهم.. فنقرأ حين نقرأ«.. وإلى ثمود اخاهم صالحاً» وإلى.. اخاهم..، وهذا الخطاب إن دلّ على شيء فانّما يدل على التلائم والانسجام الكامل بين الخالق والمخلوق وبين الناس والمبعوث، لألّا يتصور الناس غير ذلك ولأن تكون البعثة والدعوة الالهية تتحاشى مع الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها.
للامام الخميني (قدس سره)كلام في هذا المجال، يوضح فيه ذلك، ويطرح فكرته ورأيه حول الهدف السامي من بعثة الانبياء (ع). قال سماحته«انّ بعثة الانبياء انما تهدف إلى انقاذ اخلاق الناس، وارواحهم واجسامهم من الظلمات وتبديد الظلمات واستبدالها بالنور»[1] و«لانور سوى الحق تعالى وما عداه ظلمات»[2]
وجاء الاسلام ليكون على رأس الاديان السماوية التي اكملت الاديان قبلها وشرعت ما لم تشرعه الاديان السابقة.. وانارت الطريق امام الانسان التائه الباحث عن ضالته، ليجد في شريعة الاسلام ما لم يجد في غيره، في كل مناحي الحياة بل ومايمهدن الطريق إلى الحياة الابدية الاخرى ليكون سعيداً فيها ايضاً. قال الامام الخميني (قدس سره): «ان النظام الحقوقي في الاسلام ارقى واكمل واشمل الانظمة الحقوقية»[3]. وذلك لانه يستند على «قانون واحد وهو القانون الالهي»[4] ولأنه «لم يأت لقوم دون غيرهم، ولايفرق بين الترك والفرس والعرب والعجم. الاسلام للجميع ولاقيمة او امتياز في نظامه للجنس او اللون اوالقبيلة او اللغة»[5].. والرسول هو وصي امته وهو حجة الله تعالى على خلقه، فلايترك الرسول امته بعد ان يبين للناس امور دينهم في حياتهم ومماتهم، دون خلف، يخلفه في الامة ودون وصي بعده. وهكذا فعل نبي الرحمة محمد (ص)، حيث اوصى بعلي (ع)بعده، حجة على الناس وقائداً ومرشداً لهم. ونحن اذ نحتفل بذكرى مولود الكعبة، اسد الله الغالب، علي بن ابي طالب (ع)كل عام، فانما نكرم وننهج ما اوصانا به الرسول (ص). وهذا الامام الخميني (قدس سره)حفيد علي (ع)يقول «ابارك ميلاد اميرالؤمنين (ع)لكل المسلمين والشعب الايراني الشريف»[6] «ماعساني قائلاً حول شخصية اميرالمؤمنين، وما عسى غيري يقول، يستحيل أن يستوعب البشر ابعاد هذه الشخصية العظيمة.»[7] وهو كذلك، فالذي يرى الحق الالهي ببصيرته، يراه متجلياً في شخص علي (ع). والذي يرى العدل الالهي،ايضاً، يراه في علي (ع).. فقد تلخص الحق والعدل في شخصية عظيمة لم يسبق لها مثيل بعد محمد (ص)، في علي (ع)، وساس الامة على اتساع رقعتها، بالمساواة والعدالة وكان لكل البشرية نبراساً وهّاجاً ومناراً لكل حر، ينشو الحرية اينما كان في شتى انحاء العالم. فكيف يستطيع القلم، اي قلم، مهما كان ان يعبر عن ضمير كل انسان شريف، عن تلك الشخصية العظيمة؟ فقد انبهر به كل من نظر اليه، الصديق والعدو، ومازالوا حتى عصرنا الراهن، على اختلاف مشاربهم واديانهم والسنتهم.. وقد شهدت له بذلك ساحات الوغى والعلم والزهد والمساواة، والعدالة والانسانية جمعاء. فـ «لايستطيع احد ان يصل الى مستواه، ولااحد بعد الرسول الاكرم (ص)افضل منه في امر من الامور، ولايمكن ان يوجد في المستقبل.»[8]
[1] صحيفة الامام، ج17، ص: 235
[2] نفس المصدر، ج 19، ص 284
[3] نفس المصدر، ج9، ص:425
[4] نفس المصدر، ج9، ص:425
[5] نفس المصدر، ج7، ص: 542
[6] نفس المصدر، ج14، ص: 276
[7] نفس المصدر، ج20، ص: 95
[8] نفس المصدر، ج11، ص: 24