العلامة “محمد مهدي الآصفي”، كان علمًا من أعلام الدعوة إلى وحدة الأمة الإسلامية والتقريب بين المذاهب الإسلامية؛ فكان إلى جانب مهامه الجسيمة عضوًا في المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ولا غرو في ذلك فإن دعاة نهضة الأمة هم دعاة تقريب أيضًا.
الإنسان الحضاري هو باختصار مَنْ كان مَثَلُه الأعلى كبيرًا. وفي مثل هذه الحالة :
ــ يتحرر من ذاتيته وأنانيته
ــ يعيش آلام مجتمعه وآماله
ــ ينظر إلى الكون والحياة بنظرة منفتحة هادفة
ــ يعالج الأمورَ وفق منهج عقلاني مقاصدي
ــ يعمل على تغيير الواقع الفاسد
والشيخ مـحمد مهدي الآصفي ــ رضوان الله تعالى عليه ــ الذي فارقنا في الرابع من حزيران (يونيو) 2015 نموذج للإنسان المسلم الحضاري. عاش منذ نعومة أظفاره عاشقًا للعلم، منفتحًا على الواقع، ساعيًا إلى تحقيق عزّة المسلمين وكرامتهم.
شجاع في مواقفه، تقيّ زاهد في معيشته، صادق مع نفسه وربّه، ساع إلى تغيير الفاسد من واقعه، عامل على مساعدة المـحتاجين من أبناء جلدته، دائب على تقديم عطاء فكره.
والعلامة محمد مهدي الآصفي كان علمًا من أعلام الدعوة إلى وحدة الأمة الإسلامية والتقريب بين المذاهب الإسلامية؛ فكان إلى جانب مهامه الجسيمة عضوًا في المجلس
الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ولا غرو في ذلك فإن دعاة نهضة الأمة هم دعاة تقريب أيضًا.
نقف في هذا الحديث عند ساحة واحدة من منظومته الفكرية الحضارية وهي التي ترتبط بالقرآن الكريم؛ لقد كان رحمه الله يتعامل مع القرآن تعامل تلميذ يجلس على مائدة كتاب الله ليسأله ويستنطقه وليحصل على ما يملأه عزّة وقوة وشموخًا وأصالة. هذه الطريقة من التعامل مع القرآن هي نفسها طريقة أولئك الذين تحركوا بالقرآن وصنعوا حضارة القرآن.
يقول (الاصفي) في أحد مقالاته :
«إن للقرآن في حياتنا خطابًا يخاطبنا به إذا أصغينا إليه. وللقرآن في حياتنا جواب، إذا سألناه.
إذن للقرآن في حياتنا خطاب وجواب لمن يحسن استنطاق القرآن يقول الإمام علي (ع) : «ذلك القرآن فاستنطقوه».
وليس كل أحد يحسن استنطاق القرآن. وقليل جدًا، أولئك الذين يعرفون استنطاق القرآن، ويتلقون منه الجواب والخطاب.
رحم الله ذلك العبد الصالح العارف الذي كان يقول :
«كنت أقرأ القرآن فلا أجد فيه لذة كبيرة، فحاولت أن أقرأ القرآن وكأني أسمعه من بين شفتي رسول الله (ص) فوجدت من تلاوة القرآن لذة عظيمة، ثم حاولت أن أقرأ القرآن وكأني أتلقاه من ملك الوحي مباشرة، فوجدت في قراءة القرآن من اللذّة مالا يوصف، ثم قرأت القرآن وكأني أتلقّاه مباشرة من عند الله فوجدت في تلاوة كتاب الله من اللذة مالا أرتوي منه ولا أطيق مفارقته مهما تلوت منه.
فإذا
تمرّس الإنسان في تلقي الخطاب القرآني من الله مباشرة يجد من تكريم الله تعالى له مالايطيق شكره، وأنـّى يطيق العبد أن يشكر الله تعالى على هذا التكريم، وقد خصه بالخطاب دون سائر خلقه.
لله تعالى في حياتنا كتابان ناطقان هما كتاب التكوين (الكون) وكتاب التدوين (القرآن). وهما كتابان، وناطقان. فهما كتابان : لأننا نقرأ في كل منهما آيات جلال الله وجماله وصفاته الحسنى وهما ناطقان لأنهما ينطقان بآيات الله وجلاله وجماله.
والقرآن عزٌّ لا تهزم أعوانه، يجد فيه الذي يؤون اليه عزّهم وقوتهم وشموخهم وأصالتهم.
ولكن لمن ينطق القرآن؟ ومن هم الذين يتلقون خطاب القرآن وجوابه وبصائره وكنوزه… وهذا سؤال هام… فليس ينطق القرآن لكل أحد، ولا يتلقى خطابه ونداءه كل الناس، وإنما ينطق القرآن لمن يعرف أن يستنطق القرآن، ولا يحسن استنطاق القرآن إلا من يفتح مغاليق قلبه عليه ويسلّمه أزمّة نفسه، ويمكـّنه من عقله وقلبه. إن في القرآن جوابًا لمن يريد أن يفهم القرآن، ويأخذ من القرآن… أما من يطلب آراءه وأهواءه في كتاب الله، ولا يطلب هدى الله وبيناته، فالقرآن صامت تجاهه، ومنغلق عليه».
(انتهى ماقاله الشيخ الآصفي)
وبعد فالساحات التي دخلها آية الله الآصفي بفكر حضاري كثيرة تدل بأجمعها على اهتمامه بالمجمع بين الجهاد والعرفان.
سلام الله عليه يوم ولد ويوم ارتحل ويوم يبعث حيًا.