بسم الله الرّحمن الرّحيم[1]
والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين المعصومين الهداة المنتجبين، [ولا] سيّما بقية الله في الأرضين.
أبارك هذا العيد السّعيد لجميع الحاضرين الموقّرين – مسؤولي مختلف أجهزة البلاد المحترمين – وللشعب الإيراني قاطبة. وكذلك أبارك للضيوف الحاضرين هنا – سفراء الدول الإسلاميّة – ولجميع الشعوب المسلمة. نأمل أن يكون هذا العيد، إن شاء الله، عيداً بالمعنى الحقيقي للكلمة ومدعاةً سرور، ومدعاةً بركةٍ الأمّة الإسلاميّة جمعاء.
أرى لزاماً في البداية أن أشير مرة أخرى إلى أجواء شهر رمضان المعنويّة الممتازة في بلادنا. والتشديد هو على هذا، وهو أن نُقدّر ونحافظ على هذه الأجواء الروحانيّة. محافل الدعاء والتضرّع وصلوات الجماعة هذه، وهذه المساجد العامرة، والمساعدات الإيمانية التي يُقدّمها النّاس، ومراسم الإفطار في المساجد وفي الشوارع؛ أي إنّ الشعب أظهر تألقاً بحقّ في شهر رمضان هذا سواء من الناحية المعنويّة، بتلاوة القرآن و[غيره]، أو من الناحية الاجتماعية، عبر المساعدات وحل مشكلات الناس ومساعدة المحرومين و[ما شابه]، أو من الناحية السياسية؛ هذه المسيرات التي انطلقت في يوم القدس العالمي كانت خطوة سياسية دولية مذهلة. أين يمكن العثور على مثل ذلك؟ لقد كان يوم القدس في البلاد – كما أفادنا أشخاص مطّلعون ومختصّون – صرخة هدّراة عامة بكلّ ما للكلمة من معنى. كانت الجموع الحاشدة أكبر مقارنة بالسنوات السابقة. وهذه أمور تستحق الشكر حقاً. أتقدم – أنا العبد الحقير – بالشكر الجزيل من شعبنا العزيز على الريادة والتقدّم في جميع هذه المجالات المختلفة.
لكن الشكر باللسان لا يكفي. أنتم أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء الحاضرون هنا، أغلبكم مسؤولو الأجهزة المختلفة – سواء الأجهزة الحكومية، أو ما يتعلق منها بالسلطة القضائية، أو بالسلطة التشريعيّة، أو بالحوزويين والتبليغ الديني، أو ما يتعلق منها بالشؤون العسكريّة – أنتم الحاضرين المحترمين، أغلبكم مسؤولو البلاد؛ هذا الشعب يستحق الشكر بالعمل. وأنا أؤيد مائة بالمائة هذه الأمور التي ذكرها السيّد رئيس الجمهوريّة؛ أي هذه الأعمال التي ينبغي أن تُنجز، وينبغي التخطيط لها، ويجب أن تتقدّم. بحمد الله يشعر المسؤولون بالمسؤوليّة – وإنّ المرء ليدرك هذا، ويراه – ويبذلون جهداً؛ فليواصلوا هذا السّعي، وليضبطوه من كلّ جانب.
ليس بوسع المرء أن يمرّ على أحداث غزّة، وقضايا هذه الأيام، وهذا العيد، وشهر رمضان هذا من دون أن يتعرّض لها ويلتفت إليها. قضيّة غزّة هي اليوم قضيّة مهمّة حقّاً، وتقع على رأس قضايا العالم الإسلامي. يجب أن نشعر جميعاً بالمسؤوليّة في هذا الصدد. قلوب الشعوب معهم، حتى من غير المسلمين، وأنتم طبعاً ترون هذه المسيرات والتظاهرات التي تخرج في العالم تأييداً للفلسطينيين وأهالي غزة والمظلومين في هذه المنطقة؛ هذه المسيرات غير مسبوقة، لم نجد مثيلاً لها في أيٍّ من القضايا [المختلفة]. إنّ نزول الناس في أفريقيا وآسيا وأوروبا، وفي أمريكا نفسها، إلى الشوارع وإطلاقهم الشعارات تأييداً للشعب الفلسطيني؛ كان حدثاً غير مسبوق خلال هذه العقود من احتلال فلسطين. لذا، من الواضح أنّ شيئاً وتطوراً جديداً يحدث في العالم الإسلامي، وحدثاً ما في طور الوقوع. ينبغي أن نلتفت إلى هذا الأمر.
أنْ تتحوّل قضيّة فلسطين إلى القضيّة الأولى! وأين ذلك؟ في لندن وباريس والدول الأوروبيّة وواشنطن! إنّه ليس بالأمر الهيّن، [لأنّ] سيطرة الصهاينة طوال هذه الأعوام على وسائل الإعلام في العالم ليست بالأمر الذي يسمح ببثّ صوت مناهض لهم ومؤيّد لفلسطين. بات هذا الصّوت ينتشر اليوم في أرجاء العالم كافة. كما أنهم ينفقون الأموال، ويرفعون الصرخات، ويدافعون عنهم. اليوم شعوب العالم تناوئ الصهاينة وتناهضهم. هذه قضايا مهمة، ويجب النظر إليها كعِبَر. ثمة حدثٌ في طور الوقوع الآن.
يجب على الجميع أن يؤدّوا واجباتهم؛ [لكن] للإنصاف، إنّ الحكومات لا تؤدي واجباتها. إنّ الدول الأوروبيّة التي أشرت إليها اليوم في الصلاة[2]؛ يُصرّح بعضها أحياناً – وهو أيضاً ليس تصريحاً حازماً وحاسماً – فيقولون شيئاً من قبيل أنّكم لماذا تفعلون هذا الأمر، لكن عملياً لا يوجد أيّ أثر للحكومات على الإطلاق، بل على العكس من ذلك، إنهم يساعدونهم. أمريكا تقدّم مساعدات – مساعدات في التسليح، ومساعدات مالية، ومساعدات سياسية – وكذلك بريطانيا وبعض الدول الأوروبيّة الأخرى. لكن المؤسف أكثر هو أنّ بعض الدول الإسلامية أيضاً تساعد الكيان الصهيوني! في أي وقت؟ في الوقت الذي يمارس الكيان الخبيث قتل الأطفال والنساء. لا يمكن برأيي فهم هذا الأمر إطلاقاً، لكنّه يحدث للأسف.
إنّ مساعدة الدول الإسلامية للكيان الصهيوني خيانةٌ. إنها خيانة للأمة الإسلامية، كما أنها خيانة لأنفسهم، لأنهم بهذا يعزّزون الأجهزة الصهيونية الآيلة إلى الضعف، وهذا التعزيز سينتهي بضررهم هم أنفسهم. عندما يدخل الصهاينة إلى بلد ما، فإنهم لن يتصرّفوا لمصلحة ذلك البلد. إذا نفذوا، فإنهم سيمتصون دماء ذاك البلد كالبعوضة، ولمصلحتهم الخاصة. إن مساعدة الكيان الصهيوني تعني الإسهام في تدميرهم لأنفسهم – الأمّة الإسلامية أيضاً لها شأنها الخاص – لذا ينبغي عليهم أن يُوقِفُوا هذا. كان هذا اقتراحنا السّابق، وهو الآن أيضاً اقتراحنا الأكيد: على الحكومات الإسلامية أن تقطع علاقاتها – العلاقات الاقتصادية والسياسية – مع الكيان الصهيوني. بشكل مرحلي كحدّ أدنى! فلتبقَ العلاقات مقطوعة ما دام هؤلاء مستمرين في ارتكاب هذه الجرائم، وليتوقف الدعم، ولينقطع التواصل. هذا هو التوقع من الحكومات الإسلامية، وهو ليس توقّعنا نحن فقط، بل إنه توقّع الشعوب الإسلامية. إذا أجروا استفتاءً في الدول الإسلامية الآن، فلا شك أنّ الجميع سيُجمعون على أنّ حكوماتهم يجب أن تقطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني. ليس هناك أدنى شك في ذلك. نأمل، إن شاء الله، أن يُوقظنا الله المتعالي جميعاً، وأن يعرّفنا إلى واجباتنا، وأن يُمكّننا من أداء هذه الواجبات.
أبارك لكم جميعاً العيد مجدداً، وآمل، إن شاء الله، أن تكون بركات شهر رمضان، وبركات العيد باقية لشعبنا العزيز، ولمسؤولينا المحترمين، ولمختلف ناشطي القطاعات شتّى، وأن ينتفع الجميع، وأن نشهد عياناً عن قريب آثار النجاح والتقدّم، سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي إن شاء الله.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته