انّ احدى النعم التي منّها الله سبحانه وتعالى على البشر هي نعمة التوبة وقبولها وهذا دليل الرحمة الواسعة واللطف الواسع لله جل جلاله. التوبة: معناها العزم على ترك الذنب والعودة الى الله سبحانه وتعالى والاعتذار اليه. “يقول الراغب في مفرداته: الاعتذار على ثلاثه انواع، اما ان يقول المعتذر لم أفعل أويقول فعلت لأجل كذا او فعلت واسأت وقد اقلعت”. 1
فعلى سبيل المثال: التوبة هي خلع الثوب القذر من البدن وارتداء ثوب طاهر ونظيف او غسل البدن في الحمام من التلوث والقذارة او تنظيف المكان وفرشه بفراش جديد. لذلك نرى ان الهداية والدعوة الى الله سبحانه تأتى على اربعة اوجهٍ في سورة هود:
1- اصل التوحيد.
2- الحرب ضد الشرك.
3- تهذيب الروح من الذنب.
4- العودة الى الله سبحانه وتزيين الروح بزينة الصفات الالهية ( اصلان لهما علاقة بالعقيدة واصلان لهما علاقة بالعمل ).
وفي الآية 3 من سورة هود تبين لنا الاصلين الاخرين. ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ﴾. فجاء الاستغفار والتوبة في هذه الآية يحكي عن امرين مختلفين اولهما: التهذيب والثاني: كسب الكمالات. وتقدم الاستغفار على التوبة، ان الآية السابقة تقول: يجب على الانسان اولاً تطهير الروح من الذنوب وبعدها الاتصاف بالصفات الالهية. كما في الاول خلع اللباس الوسخ وارتداء الملابس النظيفة والطاهرة. او الاعتقاد اولاً ان كل معبود سوى الله سبحانه وتعالى باطل ومطرود من القلب ولا مكان له إلاّ عبادة الحق ومكانه في مكان القلب.
الاستغفار والتوبة في القرآن:
وردت كلمة ( الغفور ) ( 91 مرة في القرآن الكريم ) وكلمة ( الغفّار ) ( 5 مرات ) وآيات كثيرة تحث وتدعو الناس للعودة الى الله سبحانه وتعالى وطلب المغفرة منه. وجاءت اكثر من ثمانين مرة كلمة التوبة والعودة الى الله سبحانه وقبول التوبة.
ونذكر هنا عدة نماذج قرآنية منها:
1- في الآية 135 من سورة آل عمران: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ﴾.
2- الآية 110 من سورة النساء: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.
3- في الآية 9 من سورة المائدة: ﴿وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
4- في الآية 53 من سورة الزمر: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
5- في الآية 186 من سورة البقرة: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
6- وفي الآية 31 من سورة النور: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
7- وفي الآية 25 من سورة الشورى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه…ِ﴾.
8- وفي الآية 222 من سورة البقرة: ﴿إنّ الله يحّب التّوّابين﴾.
9- وفي الآية 8 من سورة التحريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾.
10- وفي الآية 25 من سورة الشورى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾.
11- وفي الآية 74 من سورة المائدة: ﴿أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. في هذه الآية استفهام انكاري حيث تبين لنا ان الله سبحانه وتعالى يؤكد على الانسان ويدعوه الى التوبة والاستغفار ويحرك عواطف الانسان بذكر هاتين الصفتين وهما ( الغفور والرحيم ) لعله يرجع الى الله سبحانه ويغسل ذنوبه بماء الاستغفار ويستنير بنورها ليفضي عليه الكمال والفضائل.
التوبة في نظر الروايات:
عند استقراء الروايات التي لها علاقة بالتوبة والاستغفار نحصل على عدة مطالب متنوعة وجامعة أشير اليها في الآيات القرآنية السابقة وهنا نلخص قسماً مهماً من هذه المطالب.
التوبة الحقيقية والنصوحة:
أ- ترك الذنب.
ب- الندم عن الذنب.
ج- العزم على ترك الذنب.
د- جبران الذنوب القابلة للجبران كـ ( اداء حق الله سبحانه وحقّ الناس و… ).
هـ- الاستغفار باللسان.
ما هي التوبة النصوح ؟
التوبة النصوح كما بينته لنا الآية 8 من سورة التحريم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾. قال الامام الصادق عليه السلام في تفسير كلمة “النصوح”2. “هو الذنب الذي لا يعود فيه أبداً”. وقال الامام الهادي عليه السلام في معنى التوبة النصوح: “أن يكون الباطن كالظاهر وافضل من ذلك”3. وقال الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم في معنى التوبة النصوح: “أن يتوب التائب ثمّ يرجع في ذنبٍ كما لا يعود اللبن الى الضرع”4. وقال الامام علي عليه السلام: “ندم بالقلب واستغفار باللسان والقصد على أن لا يعود”.. 5
شرائط صحة وكمال التوبة وقبولها:
قال احد المرائين امام الامام علي عليه السلام: ( استغفر الله ) فالتفت اليه الامام علي عليه السلام وقال له: ثكلتك امك اتدري ما الاستغفار ؟
الاستغفار درجة العليين، هو اسم واقع على ستة معان، أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود اليه أبداً، والثالث أن نؤدي الى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله املس ليس عليك تبعة، والرابع أن تعمد الى كل فريضة عليك ضيّعتها فتؤدي حقها، والخامس أن تعمد الى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان، حتى تلصق الجلد بالعظم، وينشأ بينهما لحم جديد، والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: “استغفر الله”. 6
وعلى هذا الاساس نحصل على ان شرائط قبول التوبة اضافة الى ترك الذنب والعزم على تركه، جبران ما أضاعه الذنب.
فمثلاً في مسألة قذف المرأة الطاهرة، فقد جاء في القرآن الكريم ان يجلد القاذف ثمانين جلدة، وبعده قال سبحانه: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ( النور- 5 ).
فجملة “أصلحوا” تبين لنا ان الشرط المهم في قبول التوبة هو جبران ما أضاعة الذنب. وهناك شرط آخر هو الاقرار بالذنب. 7
قال الامام الباقر عليه السلام: “والله ما ينجو من الذنب الاّ من أقر به”8. وقال الامام علي عليه السلام: “المقرّ بالذّنب تائبّ”.9
1- مفردات الراغب ص 72.
2- اصول الكافي ج 2 ص 432.
3- بحار الانوار ج 6 ص 22.
4- مجمع البيان ج 10 ص 318.
5- تحف العقول ص 149.
6- نهج البلاغة حكمة 417.
7- الذنب أسبابه وعلاجه /العلامة محسن قرائتي /130_133.
8- وسائل الشيعة ج 11 ص 347.
9- مستدرك الوسائل ج 2 ص 345.