إن المؤمن الحريص على دينه، والحريص على سعادته الدنيوية والأخروية يجاهد نفسه في هذا المجال، ويتسامى بها عن طلب الرئاسة إلا إذا كانت لإحقاق حق وإزهاق باطل وإعلاء كلمة الله تعالى.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لِأَنْ تَكُونَ تَابِعاً فِي الْخَيرِ، خَيرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَتْبُوعاً فِي الشَّرِّ”.
واحد من الابتلاءات الكبرى التي يُبتلى به المرء أن يكون محباً للجاه طامحاً للرئاسة، فإن ذك إذا ما تمكن من نفسه أهلكها، وأهلك دينه، ولازَمَه الشقاء في الدنيا وفي الآخرة، وقد وصف النبي الأكرم (ص) حبَّ الرئاسة بالذئب الضَّاري المُتوحِّش المُفترس فقد رُوِيَ عنه أنه قال: “مَا ذِئْبَانِ ضَارِيَانِ أُرْسِلا فِي زَرِيبَةِ غَنَمٍ بِأَكْثَرَ فَسَاداً فِيهَا مِنْ حُبِّ اَلْمَالِ وَاَلْجَاهِ فِي دِينِ اَلرَّجُلِ المُسْلِمِ”.
ووالله ما أهلك الناسَ شيءٌ كما أهلكهم حُبُّ الرئاسة، وما ثارت حروب وأزهقَت أرواح ودُمِّرَت بلاد، إلا بسبب حُبِّ الرئاسة، بل ما أهلك الإسلام وأضعفه وأضعف المسلمين حتى صاروا أُلعوبة بأيدي الأمم الكافرة الظالمة مثل ما أهلكه حُبُّ الرئاسة، وما من أمر كان ولم يزل سبباً لتردي المسلمين وتنازعهم، بل وتقاتلهم وتكفير بعضهم لبعض، واستحلال بعضهم دماء بعضهم الآخر إلا بسبب حُبِّ الرئاسة.
إن المؤمن الحريص على دينه، والحريص على سعادته الدنيوية والأخروية يجاهد نفسه في هذا المجال، ويتسامى بها عن طلب الرئاسة إلا إذا كانت لإحقاق حق وإزهاق باطل وإعلاء كلمة الله تعالى، وهذا ما عبَّر عنه الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله: “أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم، وَلا سَغَبِ مَظْلُوم، لأَلقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلأَلفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ”
في جوهرته الكريمة يوصي أمير المؤمنين (ع) كل واحد مِنّا عندما يُخَيَّر بين أن يكون تابعاً في الخير، أو متبوعاً (رئيساً) في الشَّرِّ أن يختار الأوَّل على الثاني، فذلك أسلم لدينه وأهنأ له في عيشه، أما لو اختار الخيار الثاني فإنه سيحرق دينه وآخرته، صحيح أنه قد يكسب في الدنيا لكنه مكسب قليل زائل تبقى تبعاته أوزاراً ثقيلة تٌثقِلَ ظهره، وتكون عاقبته من أسوأ العواقب.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي