الميزان في اللغة اسم آلة يوزن بها الشيء، والمراد به في الآيات عبارة عمّا يعرف به مقادير الأعمال، وليس علينا البحث عن كيفيّته، بل نؤمن به ونفوِّض كيفيّته إلى الله تعالى.
يقول صدر المتألهين قدس سره: “إنّ حقيقة الميزان ليس يجب أن يكون البتة مما له شكل مخصوص، أو صورة جسمانية، فإنّ حقيقة معناه وروحه وسّره، هو ما يقاس ويوزن به الشيء، والشيء أعمّ من أن يكون جسمانيا أو غير جسماني، فكما أنّ القبّان، وذا الكفتين وغيرهما ميزان للأثقال، … فكذلك علم المنطق ميزان للفكر في العلوم النظرية، وعلم النحو ميزان للإعراب والبناء، والعروض ميزان للشعر، والحسّ ميزان لبعض المدركات، والعقل الكامل ميزان لجميع الأشياء، وبالجملة ميزان كل شيء يكون من جنسه، فالموازين مختلفة، والميزان المذكور في القرآن ينبغي أن يحمل على أشرف الموازين، وهو ميزان يوم الحساب، كما دلّ عليه قوله تعالى: ﴿ونضع الْموازِين الْقِسْط لِيوْمِ الْقِيامةِ﴾([1]) وهو ميزان العلوم، وميزان الأعمال القلبية، الناشئة من الأعمال البدنية”([2]).
“وإذا كان البشر قد اخترعوا موازين للأعراض كالحرِّ والبرد، أفيعجز الخالق البارئ القادر على كل شيء، عن وضع ميزانٍ للأعمال النفسانية والبدنية، المعبّر عنها بالحسنات والسيئات بما أحدثته في الأنفس من الأخلاق والصفات”([3]).
ميزان أم موازين؟
يلاحظ ورود الميزان في القرآن الكريم بصيغة الجمع، قال تعالى: ﴿فأمّا من ثقلتْ موازِينه * فهو فِي عِيشةٍ رّاضِيةٍ * وأمّا منْ خفّتْ موازِينه * فأمّه هاوِيةٌ * وما أدْراك ما هِيهْ * نارٌ حامِيةٌ﴾([4])، فما هو المراد من هذا الجمع؟
المـوازيـن: جـمع ميزان، وهو الوسيلة لقياس الأشياء، وهذا التعبير يدل على أنّ في ذلك اليوم لا يوجد مـيـزان واحـد للأعمال، بل هناك عدة موازين، وقد يكون المراد من تعدد الموازين أن يكون لكل إنسان، أو لكلِّ أمّةٍ، أو عملٍ، ميزانا، فالصلاة مثلا توزن بميزان، وكذلك الصيام والحجّ والجهاد، أي لكلِّ واحدٍ منها ميزان خاص.
وقد قال بعض المفسرين: إنّ السبب في ذكر الله تعالى الميزان بصيغة الجمع، هو أنّ لكلِّ نوع من أنواع الطاعات ميزانا، فيقام لكل منها هناك ميزان، فالله سبحانه يخبر عن أنّه وضع لكلِّ شيء ميزانا يقدّر به، من غير فرق بين أن يكون جسما أو قولا أو فعلا أو عقيدة، فلكلِّ شيءٍ ميزانٌ يميّز به الحقّ من الباطل، والصدق من الكذب، والعدل من الظلم، والرذيلة من الفضيلة.
وقـيـل: إنّ الـمـيزان هو واحد لا أكثر، والدليل على هذا القول بعض الروايات في هذا المجال، وما صيغة الجمع (موازين) إلا لبيان عظمة الميزان.
* رحـلـة الآخـرة – جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) الأنبياء: 47
([2]) الأسفار، ج9 ص 299
([3]) المنار، ج 8، ص 323
([4]) القارعة: 6-11