قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾(1).
السؤال في ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾.. ما المعنى؟.
وإذا كان كما هو ظاهرها، بأنَّه يُشترط الإنسان أن يكونَ مُتقيًا لكي يُقبل عمله، ألا يستلزم ذلك أن يكون عمل غير المعصوم غير مقبول، ولو أنَّه يجزيه شرعًا؟ لأنَّ غير المعصوم يُذنب، والذنب خلاف التقوى إلا أنْ يتوب.. وهل هذا الرأي هو خلاف الرحمة الإلهية؟!!.
الجواب:
التقوى لها مراتب كثيرة وبأدنى مراتبها تُقبل الأعمال والطاعات، وأدنى مراتبها بل وما يزيد على المرتبة الدنيا لا يمنع من وقوع المعصية اتِّفاقًا على أنْ تتعقَّبها توبةٌ نصوح.
وأمَّا تقوى المعصومين (ع) فهي من أعلى مراتب التقوى، لذلك فهي تمنع من وقوع صغائر الذنوب فضلاً عن كبائرها.
وعليه فصدور الذنوب اتفاقًا خصوصًا الصغائر منها لا يٌنافي التقوى ولا يمنع من قبول الطاعات ما لم يكن إصرار من العبد على الذنب، وكان كلَّما أذنب آبَ إلى ربِّه وصدَقَ في توبته بعقد العزم على عدم العود إلى المعصية والندم الأكيد على ارتكابها.
يقول الإمام الصادق (ع): “لا واللهِ لا يقبل الله شيئًا من طاعته على الإصرار على شيء من معاصيه”(2).
ثم إنَّ الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) أفادت أنَّ ثمة موارد لا يكون فيها العمل مقبولاً:
منها: ما ورد عن أبي عبدالله (ع) قال: “لا يقبل اللهُ صدقةً من كسْبٍ حرام”(3).
ومنها: ما ورد عن أبي جعفر (ع) قال: “لا يقبل الله عزَّ وجل حجًّا ولا عمرة من مالٍ حرام”(4).
ومنها: ما ورد عن أبي عبدالله (ع) حين سُئل عن شارب الخمر فقال (ع): “لا يقبل اللهُ منه صلاةً ما دام في عروقه منها شيء”(5).
ومنها: ما ورد عن الرسول الكريم (ص): “.. ومن أكل الربا ملأ اللهُ بطنه من نار جهنَّم بقدر ما أكل، وإنْ اكتسب منه مالاً لا يقبل اللهُ منه شيئًا من عمله، ولم يزل في لعنة الله والملائكة ما كان عنده منه قيراط واحد”(6).
ومنها: ما رود عن أبي عبدالله (ع) قال: “ثمانية لا يقبل اللهُ منهم صلاة، وعدَّ منها: الناشز عن زوجها وهو عليها ساخط، ومانع الزكاة، وتارك الوضوء، والجارية المُدرِكة تُصلِّي بغير خمار”(7).
ومنها: ما رود عن الرسول الكريم (ص): “مَن أحدث حدثًا أو آوى مُحدِثًا فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلا”(8).
ومن الإحداث الابتداع وإدخال ما ليس من الدين في الدين.
ومنها: ما ورد عن الإمام الرضا (ع): “لا يقبل الله عمل عبدٍ وهو يُضمر في قبله على مؤمنٍ سوءً”(9).
ومنها: ما ورد عن الرسول الكريم (ص): “لا يقبل اللهُ صلاة خمسة نفرٍ: الآبق من سيده، وامرأةٌ لا يرضى عنها زوجها، ومدمنُ الخمر، والعاقُّ، وآكلُ الربا”(10).
ومنها: ما ورد عن الرسول الكريم (ص): “والذي بعثني بالحقِّ لا يقبلُ الله عزُّ وجل من عبدٍ فريضةً إلا بولاية علي (ع)”(11).
ومنها: ما ورد عن أحد الصادقين (ع): “نحن أهل البيت لا يقبلُ اللهُ عملَ عبدٍ وهو يشكُّ فينا”(12).
هذا وقد وردت روايات تفوقُ حدَّ التواتر مفادها أنَّه لا تُقبل الأعمال إلا بولاية أهل البيت (عليهم السلام).
الشيخ محمد صنقور
————————-
1- سورة المائدة / 27.
2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج15 / ص337.
3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج9 / ص206.
4- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج93 / ص163.
5- وسائل الشيعة (الإسلامية) -الحر العاملي- ج17 / ص243.
6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج18 / ص122.
7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج7 / ص253.
8- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج29 / ص28.
9- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج1 / ص97.
10- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج13 / ص332.
11- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج1 / ص176.
12- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج1 / ص166.