Search
Close this search box.

القرآن يحذِّر من الظلم في عشرات من آياته الشريفة

القرآن يحذِّر من الظلم في عشرات من آياته الشريفة

لو راجعنا القرآن الكريم وهو كتاب الله الأكمل والأتم والأخير للبشرية لوجدناه يحذِّر من الظلم في عشرات من آياته الشريفة، ومعظم القصص التي جاءت فيه قصَّت على القارئ حال الظالمين وصفاتهم ومصائرهم والعواقب الوخيمة التي أوصلهم ظلمهم إليها.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعى إِلى زَوالِ نِعْمَةٍ وَتَعْجيلِ نِقْمَةٍ مِنْ إِقامَةٍ عَلى ظُلْمٍ”.

والظلم، كلمة ما إن يسمعها المرء أو يقرأها تنتابه مشاعر الرفض للظالم وما كان ويكون منه، إن الناس كل الناس قد يختلفون على كثير من الأمور، قد يختلفون حتى في نظرتهم إلى بعض القِيَم نتيجة تربية أو ثقافة ترَبَّوا عليها، لكنهم أبداً لن يختلفوا على رفض الظلم وطلب العدل، فذلك أمر قد فُطِروا عليه، وقد جاء الدين ليعزِّز هذا الاتجاه الفطري لدى الإنسان.

بل جاء ليدفع الظلم عن ساحة الحياة الإنسانية، فلم يعتنِ الدين في شيء كما اعتنى بهذا الأصل الأصيل، فعقيدته وشريعته قائمتان على العدل ورفض الظلم، كلتاهما تريدان من الإنسان أن يتجنَّب الظلم قليله أو كثيره فيما يعتقد به من اعتقادات، وفيما يمارسه من سلوكيات ونشاطات، وأن يبني علاقاته المختلفة على أساس العدل والإنصاف.

ولو راجعنا القرآن الكريم وهو كتاب الله الأكمل والأتم والأخير للبشرية لوجدناه يحذِّر من الظلم في عشرات من آياته الشريفة، ومعظم القصص التي جاءت فيه قصَّت على القارئ حال الظالمين وصفاتهم ومصائرهم والعواقب الوخيمة التي أوصلهم ظلمهم إليها، وأن كل دمار وانحلال واضمحلال ينتج عن الظلم حصراً، سواء كان السبب المباشر الإلحاد والكفر والجحود وهذا كله ظلم، أو كان السبب هو الشِّرك بالله تعالى، والشرك ظلم عظيم، أو كان السبب هو ارتكاب الذنوب والمعاصي والفِسق والفجور وهذا كله ظلم أيضاً، أو كان السبب إدارة الظهر للقيم الإلهية واستبدالها بقِيَم الشيطان مثل الشذوذ والانحرافات الخطيرة التي يُرَوَّج لها اليوم فهذه من أبرز مصاديق الظلم.
إن الظلم لظلمات في الدنيا والآخرة، وما من أزمة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو مالية، وما من حروب ودمار وقتل وسفك دماء إلا والظلم السبب الأهم فيها إن لم الأوحد، وكل تقهقر من الأحسن إلى الأسوأ، وتغير في الأحوال من الأمن والأمان إلى القلق والخوف فالظلم هو السبب لذلك.

إن أمير المؤمنين (ع) يؤكِّد تلك الحقيقة بقوله: “لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعى إِلى زَوالِ نِعْمَةٍ وَتَعْجيلِ نِقْمَةٍ مِنْ إِقامَةٍ عَلى ظُلْمٍ” إن الإقامة على الظلم والاستمرار فيه يؤدي إلى زوال النعم كلها وليس زوال نعمة واحدة وحسب، الظلم يزيل النِّعَمّ ويُعَجِّل النِّقَم، تلك سُنَّة الله تعالى، وهي سُنَّة جارية مُطَّردة لا تتَحَوَّل ولا تتَبدَّل، كلما تكاملت أسبابها جرت في الأمم والمجتمعات من غير فرق بين أمة وأخرى، صحيح أن عقوبات الله للبشر في أيامنا هذه لم تعد عقوبات استئصال في ساعة أو يوم حدث للأمم السالفة.

لكن الظلم اليوم يستأصل الأمم الظالمة الحاضرة على المدى الطويل، لأنها أمم كبيرة العدد، عظيمة القدرات، حديثة في تقنياتها، فتحتاج إلى وقت كي تزول، وستزول حتماً، الظلم سيسقطها ولو بعد حين، والجَور ينخر في جسدها شيئاً فشيئاً، والذين استُضْعِفوا في الأرض يزدادون قوة ومُكنة يوماً بعد يوم، ويومهم الذي وعدهم الله تعالى قريب إن شاء الله.

ما نستفيده من جوهرة الإمام أمير المؤمنين (ع) أن الظلم لا يؤدّي إلى فقدان النِّعَم وحسب، بل يُسَرِّع في حلول العذاب والنِّقمة بالظالم، سواء كان شخصاً يظلم شخصاً آخر، أم كان جماعة تظلم جماعة أخرى، أم دولة طاغية ظالمة تظلم شعباً آخر. الظلم نفسه دمار.
ولذلك يُحَذِّرنا الدين من الظلم، ومن المشاركة فيه، ومن الرِّضا به، ومن السكوت عنه، ويعتبر ذلك كله من الذنوب الكبرى التي توجب النار في الآخرة، فضلاً عن حلول النِّقمة بالظالم في الدنيا، والعقوبات على الظلم متنوعة وتأتي بأشكال مختلفة، وقد لا تكون دائماً فورية أو واضحة، فلا يحسبَنَّ الظالم أنه في مأمن إذا تأخرت العقوبة وحلول النِّقمة، ولا ييأس المظلوم من عدل الله تعالى.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل