لم تبرز على طول التاريخ شخصية مثل شخصية النبي محمد (ص) بما أحدثه من تغييرات في التاريخ الإنساني، وبما حققه من نجاح عظيم في إبلاغ رسالته وتأسيسه لدولة إسلامية كبيرة، وحضارة عريقة ظلت تغذي العالم بالعلم والمعرفة والعطاء لقرون عديدة.
ولقد برز النبي محمد (ص) في زمن أهدرت فيه إنسانية الإنسان، وفي عالم كان يسيطر فيه الأقوياء ويسحق الضعفاء، وفي مجتمع سادته العصبية القبلية والعنصرية العرقية، وفي قوم كانوا يحقّرون المرأة ويضطهدونها.
فقام (ص) بتغيير ظاهرة الجزيرة العربية وأخراجها من بؤس الجاهلية وشقاء التقاليد الوثنية, فحول الأعراب الغارقين في الصحاري المترامية والجاهلية البائسة الى حضارة منطلقة أعطت العالم روحاً جديدة وافاضت عليه تاريخاً مشرقاً وضّاءاً.
فكانت أعظم مهمة في رسالة النبي(ص) هي تحرير الإنسان من القيود التي تبعده عن الحق، وتحريره من الأغلال والقيود ، تلك القيود التي كانت تكبل عقله ونفسه، يديه ورجليه، وتمنعه من الانطلاق بحرية في الحياة من أجل تأمين سعادته واستقلاله وكرامته بعد تحرير النفس من أغلال الخوف والجبن والكبر والشهوات في داخل النفس.
وقد انتهج رسول الله (ص) مسلكين لتغيير ذلك الواقع الاجتماعي الجائر، ولبناء مجتمع إنساني جديد تُحترم فيه حقوق الإنسان، وتُصان حرمته وكرامته وذلك بتأسيسه ثقافة إنسانية في أذهان أبناء المجتمع، تنطلق من إعلاء قيمة الإنسان كإنسان، بغض النظر عن جنسه ولغته وعرقه ولونه وانتمائه الديني والاجتماعي، وحالته المادية.
وبناءه مجتمع إنساني من خلال ايقاظ الضمير الإنساني، وتنمية الوجدان الأخلاقي، وتحفيز الحساسية والنفور في أعماق نفس الإنسان تجاه نزعات الظلم، والاعتداء على حقوق الآخرين.
كذلك الامام الصادق(عليه السلام) الذي عاصر فترة يحكم فيها الجهل والعصبيات، نتيجة ما عصف بالأمة من رياح عاتية، ابعدت الحق عن نصابه، فكانت مسؤوليته (عليه السلام) هي طرح الفكر الإسلامي الصحيح والتخطيط لإقامة نظام العدالة الإسلامية، في ظل ظروف معقّدة وصعبة للغاية حيث الانتفاضات, وانهماك الولاة بجمع الأموال والثروات الطائلة، وانشغال الجهاز الحاكم بأعمال البطش والجبروت بدون رحمة, من أجل خلق حالة رعب وخوف وذلة لدى الامة.
فكان الإمام الصادق (عليه السلام) رغم كل هذه الظروف المعقدة ماسك بدفة القيادة بعزم وتصميم، وهو يجتاز بالسفينة عبر هذه الأمواج المتلاطمة الممزوجة بالأمل واليأس، لا يفكر إلاّ بما يجب قطعه في المستقبل من أشواط، باعثاً الجد والنشاط والايمان في اتباعه للوصول الى ساحل النجاة.
فقد سعى (عليه السلام) لتحقيق مهمتين أساسيتين الاولى المهمة الفكرية والثانية المهمة السياسية حيث ان كلتا المهمتين كانتا تشكلان خطراً كبيراً على النظام الحاكم, خصوصاً وان الامام (عليه السلام) كانت علاقاته مع أئمة المذاهب قائمة على المحبة والمودة والاحترام المتبادل وتلاميذه لم يكونوا من مذهب معين, بل أغلب علماء الاسلام تتلمذوا على يديه.
وهكذا أسس لنا النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وحفيده الامام الصادق (عليه السلام) معالم النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي لكل دولة وحكومة يراد اقامتها, ورسماً لكل الاجيال خارطة الطريق في كيفية التعامل مع حكام الاستكبار العالمي وكيفية مواجهتهم، وان اي تواصل مع هذه الأنظمة المستبدة يعتبر اشتراكاً معها في الظلم والعذاب.
بقلم الباحث العراقي في الشؤون الدينية السيد محمد الطالقاني