Search
Close this search box.

لِقاحُ الْعِلْمِ التَّصَوُّرُ وَالْفَهْمُ

لِقاحُ الْعِلْمِ التَّصَوُّرُ وَالْفَهْمُ

لقد أشارت الآيات القرآنية إلى أهمية التصور والفَهم كشرط لِتَقَبُّل العلم وفهمه فَهماً دقيقاً والاستفادة منه، ففي القرآن الكريم عشرات الآيات التي تحثُّ على التَّفكر كشرط أساسي وضروري للعلم، لأنه يجمع بين التَّصوُّر والفَهم

وروِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لِقاحُ الْعِلْمِ التَّصَوُّرُ وَالْفَهْمُ”.

كما لا يثمر الزَّهر إلا بالتلقيح، كذلك العلم لا يستقرُّ في الذهن ولا ينمو ولا يُثمر إلا إذا حصل اللقاح بين التَّصَوِّر وهو إدراك الأمور على نحوٍ واضح، بحيث يمكن للإنسان تكوين صورة ذهنية صحيحة عن الموضوع أو المسألة العلمية، والفَهم وهو العملية التي تلي التَّصَوُّر، حيث يتَعَمُّق الإنسان في ما تصَوَّره، ويتفحصه بدقة ليصل إلى إدراك معناه وجوهره، بالتالي، التَّصَوُّر والفَهْمُ هما بمثابة اللقاح الذي يُمكّن الإنسان من الوصول إلى عمق المعرفة وإدراك معانيها وتطبيقها.


إن جوهرة الإمام أمير المؤمنين(ع) تتضَمَّن معاني عميقة تبيّن أهمية العلم والتفكُّر في العملية التعليمية، فالعلم يحتاج إلى وسائل تُمكن الإنسان من إدراكه وتصوره بشكل صحيح، ومن ثَمَّ فهمه وتطبيقه، التصور والفهم هما الركيزتان الأساسيتان اللتان يُبنى عليهما العلم، ومن دونهما معاً يصير مجرَّد معرفة سطحية لا تُسهم في بناء وعي الإنسان.

لقد أشارت الآيات القرآنية إلى أهمية التصور والفَهم كشرط لِتَقَبُّل العلم وفهمه فَهماً دقيقاً والاستفادة منه، ففي القرآن الكريم عشرات الآيات التي تحثُّ على التَّفكر كشرط أساسي وضروري للعلم، لأنه يجمع بين التَّصوُّر والفَهم، وعلى سبيل المثال نقرأ قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿190﴾ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿191/ آل عمران﴾.

في هذه الآية دعوة للتفكر والتأمُّل في خلق الله، وفهمه بعمق، ما يقود إلى إدراك حقيقة الخلق ومعرفة الخالق تعالى.
إن التعبير القرآني يرسم هنا صورة حَيَّة من الاستقبال السليم للمُؤثِّرات الكونية في الإدراك السليم، وصورة حية من الاستجابة السليمة لهذه المؤثرات المعروضة للأنظار والأفكار في صميم الكون، بالليل والنهار، والقرآن يوجِّه القلوب والأنظار توجيها مكرراً مؤكداً إلى هذا الكتاب المفتوح، الذي لا تفتأ صفحاته تُقلَب، فتتبدّى في كل صفحة آية موحية، وأولو الألباب هم أولو الإدراك الصحيح  يفتحون بصائرهم لاستقبال آيات الله الكونية، ولا يقيمون الحواجز، ولا يغلقون المنافذ بينهم و بين هذه الآيات.
وكما يدعونا الله تعالى إلى التَّفَكُّر في آيات الكون وظواهره، كشرط أساسي لفهم العلم واستقراره في الذهن، كذلك يدعونا إلى التَّدَبُّر في كتابه الكريم لفهمه واستيعاب حقائقه، وأنَّ من لا يُدرك معانيه كأنما وضع قفلًا على قلبه، يقول تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴿24/ محمد﴾.
نستفيد مما سبق أن التلقين في طلب العلم لا يفيد الطالب، بل لا بد له من فَهم ما يُلقى عليه فهما عميقاً، والطلب منه أن يُفكِّر ويُحلِّل المعلومات التي يتلقاها، وأن يتم تعليمه التفكير النقدي الذي يقدر معه على التمييز بين الصواب والخطأ، فالعلم ليس مُجَرَّد معلومات تُكتَسب، بل هو منظومة من الفهم العميق والتطبيق، وعملية واعية، وتأمُّل دائم.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل