Search
Close this search box.

التقصير يؤدي إلى العَجز عن مواجهة الحقائق

التقصير يؤدي إلى العَجز عن مواجهة الحقائق

إنّ التقصير يؤدي إلى العَجز عن مواجهة الحقائق، والدفاع عن النفس، فالشخص المقصّر يكون في موقف ضَعف، ولا يستطيع التعبير بوضوح وثبات.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لِسانُ الْمُقَصِّرِ قَصيرٌ”.
في هذه الجوهرة الكريمة يشير الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى واحدة من الحقائق المهمة ذات الصِّلة بتأثير التقصير في العمل، والكلام، والمعاملة، وكيف أن التقصير يؤدي إلى العَجز عن مواجهة الحقائق، والدفاع عن النفس، فالشخص المقصّر يكون في موقف ضَعف، ولا يستطيع التعبير بوضوح وثبات.
إذا بحثنا الأمر من الناحية النفسية، فإن الشخص الذي يقصِّر في أداء مهامه وواجباته يعاني من شعور بالدونية أو الندم وقلة احترام الذات، هذا الشعور يجعله غير واثق من نفسه، وعاجزاً عن التحدث بثقة أمام الآخرين أو الدفاع عن نفسه، ولذلك نرى أن المقصر غالباً ما يتجنَّب المواجهات والنقاشات أو الدخول في حوارات علمية إذا كان قليل التحصيل عِلمياً بسبب شعوره بأنه غير مؤهّل، وبالتالي فإن لسانه يكون “قصيراً” عن التعبير بثقة.
وإذا بحثناه من الناحية الاجتماعية فإنَّ الشخص الذي يُقَصِّر في واجباته الاجتماعية أو المهنية، أو لم يؤدِّ ما عليه يفقد مكانته الاجتماعية واحترام الآخرين له، ويظهر بصورة ضعيفة أمامهم، مما يجعله عرضة للنقد وعدم الاحترام، لأنه يفتقر إلى الحُجَجِ القوية التي تبرِّرُ تقاعسه، فالمجتمع يميل إلى تقدير الشخص الذي يجتهد ويثابر، بينما ينظر إلى المُقَصِّر بنوع من عدم التقدير.
وإذا بحثناه من الناحية السلوكية، فإن التقصير يؤدي إلى تراجع مستوى الكفاءة والقدرة على الأداء، وهذا يجعل الشخص المُقَصِّر غير قادر على إثبات ذاته أو تقديم حجج قوية، فيظهر عاجزاً عن الدفاع عن مواقفه، وغالباً ما يلجأ إلى أساليب دفاعية غير فعالة أو سلبية، كالهروب من مواجهة المشاكل أو تأجيلها، مِمّا يؤدي إلى زيادة معاناته وفقدانه الثقة بنفسه.
الموظف الذي يُقَصِّر في أداء واجباته يعاني من صعوبة في التبرير أمام المديرين، ويشعر بأنه غير قادر على الدفاع عن موقفه، وهذا يجعل موقفه ضعيفاً، والشخص الذي يُقَصِّر في التواصل مع زوجه، وأفراد أسرته، وأرحامه، وأصدقائه، غير قادر على توضيح موقفه أو الدفاع عن غيابه عندما يسأله الآخرون، والطالب الذي يُقَصِّر في دراسته يجد صعوبة في تقديم إجابات جيدة أمام المعلم أو عند الامتحان، شعوره بالتقصير يضعه في موقف ضعيف.
لقد تحدث القرآن الكريم عن المنافقين الذين كانوا يتطاولون على رسول الله (ص) ويكيلون إليهم التُّهَم الباطلة، ويؤذونه، ثم حين يُفتَضَح أمره يأتون إليه أو إلى المسلمين معتذرين عمّا بدر منهم من سوء، لكن الله لم يكن ليقبل اعتذارهم ومبرراتهم الواهية السخيفة، فيقول: لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴿66/ التوبة﴾.
وفي ذات السورة المباركة تحدث القرآن عن المنافقين الذين تخلَّفوا عن واجب الجهاد مع النبي (ص) ثم جاؤوا إليه أوإلى المسلمين يعتذرون عن هذا التقصير الفادح والخطير، وأن أعذارهم لم تكن مقبولة، وتبريراتهم كانت من الوَهَن والضَّعف بحيث أن الله تعالى أمر نبيه الكريم (ص) أن لا يقبل اعتذارهم، وأن لا يثق بهم، فقال سبحانه: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿94/ التوبة﴾.
الخلاصة:

تُعلمنا عبارة “لِسانُ الْمُقَصِّرِ قَصيرٌ” قيمة العمل الجاد وتجنُّب التقصير، لأن الشخص المقصر يجد نفسه غير قادر على التبرير أو الدفاع عن نفسه، وتقودنا هذه الحكمة إلى ضرورة تحمل المسؤولية والاجتهاد، سواء في أمور الدنيا أو الآخرة، وتجنب التقصير في أي مجال من مجالات الحياة.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل