Search
Close this search box.

الصبر والتروي يؤديان إلى الحكمة في اتخاذ القرارات

الصبر والتروي يؤديان إلى الحكمة في اتخاذ القرارات

إن الصبر والتروي يؤديان إلى الحكمة في اتخاذ القرارات، والصواب في الأفعال والأقوال، ويجنباننا كثيراً من الأخطاء التي نندم عليها فيما بعد.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ عَجِلَ زَلَّ”.
حكمة بالغة، ومعادلة واضحة، ترسم لنا منهجاً يفيدنا في جميع نواحي حياتنا، حيث أن الصبر والتروي يؤديان إلى الحكمة في اتخاذ القرارات، والصواب في الأفعال والأقوال، ويجنباننا كثيراً من الأخطاء التي نندم عليها فيما بعد.

هذه المعادلة المهمَّة تختصر بحروفها القليلة مضموناً عميقاً مرتبطاً بطبيعة الإنسان وسلوكه اليومي، وتوجُّهاً فلسفياً يُحذِّر من العَجَلة وآثارها، تتكون العبارة من ثلاث كلمات، شرط ومشروط، سَبَبٌ ومُسَبَّب، من يتسرَّع في قراراته وأفعاله وأقواله دون تفكير عميق، وتدبُّرٍ في العواقب، “زَلَّ” وسقط في الخطأ أو الفشل، والمعنى الإجمالي هو أن التسرُّع غالباً ما يؤدي بصاحبه إلى الخطأ أو الزلل، لأن التسرع يُضعف من احتمالية اتخاذ القرار السليم.

من وجهة نظر علم النفس، فإن الاستعجال يرتبط بعدم القدرة على التَّحكُّم بالاندفاعات الداخلية، وهو سلوك يرتبط بالاستجابة السريعة للتوتر أو القلق، وأن الشخص الذي يميل للعجلة يعاني من نقص في مهارات التخطيط واتخاذ القرار، حيث يكون الدافع الداخلي للتخلُّص من الضغوط أكبر من التفكير المنطقي أو التَّرَوّي في اتخاذ القرار، يُعرَف هذا السُّلوك في علم النفس بمفهوم “الاندفاعية”، والتي تُعدّ من العوامل المؤدِّيَة إلى الأخطاء أو الأفعال غير المحسوبة.

يرى الباحثون في علم النفس العصبي أن الاندفاعية ترتبط بأجزاء معينة من الدماغ، مثل الفصّ الأمامي، الذي يلعب دوراً في التَّحَكُّم بالتنظيم الذاتي والتخطيط واتخاذ القرار، وقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يتخذون قراراتهم على عَجَلٍ غالباً ما يواجهون صعوبات في التفكير المُتأنّي أو في تقييم المخاطر، ما يزيد من احتمالية ارتكاب الأخطاء أو الفشل في تحقيق النتائج المرجوة.

لقد تحدَّث القرآن الكريم عن استعجال الإنسان، وأنه مطبوع على ذلك، لدرجة أن الله تعالى وصفه بأنه مخلوق من عَجَل، إن تعبير هذا الوصف‏ في الحقيقة نوع من التأكيد، أي إن الإنسان عَجول إلى درجة كأنه خلق من العجلة، فهو يمد ببصره دائماً إلى ما وراء اللحظة الحاضرة يريد ليتناوله بيده، ويريد ليحقِّق كل ما يخطر له بمجرد أن يخطر بباله، ويريد أن يستحضر كل ما يوعَدُ به ولو كان في ذلك ضرره وإيذاؤه.
وقال الله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴿37/ الأنبياء﴾ ولأن الإنسان عجول بطبعه، فإنه كما وصفه الله أيضاً بقوله: وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴿11/ الإسراء﴾ وإنما يستعجل الإنسان كل شيء حتى الشَّرَّ لأنه لا يعرف مصائر الأمور وعواقبها، ولقد يفعل الفعل وهو شَرٌّ، ويَعْجَل به على نفسه وهو لا يدري ماذا ستكون النتيجة، أو تقوده إلى ذلك النظرة السطحيَّة للأمور، أو عدم قدرته على تشخيص الخير والشَّرِّ الحقيقيين، وهكذا ينتهي به الحال إلى أن يطلب من الله الشَّرَّ، تماماً كما يطلب منه الخير، وأن يسعى وراء الأعمال السَّيِئة، كسعيه وراء الأعمال الحَسَنَة، وهذا الاضطراب‏ إلى جانب افتقاده الموازين الصحيحة هو أسوأ بلاء يُصابُ به، ويحول بينه وبين سعادته الحقيقية، وقد يكون مُدركِاً الخير والشَّرَّ، وقادراً على التمييز بينهما، ولكنه يستعجل الشَّرَّ لعجزه عن كبح جماحه وضبط زِمامه‏.

وعلى كل حال فإن العجَلة مذمومة عقلاً وشرعاً وهي من الشيطان كما جاء في حديث النبي الأكرم (ص): “اَلتَّأَنِّي مِنْ اَللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنْ اَلشَّيْطَانِ” ومعنى أنها من الشيطان تعبير عن الجموح والخروج عن الحدِّ الذي يقرِّره العقل.

وتحدَّث الإمام أمير المؤمنين (ع) عن النتائج التي تترتب على كُلٍّ من التَّأَنّي والعَجَلة فقال: “التَّأَنِّي يُؤَدِّي إِلَى السَّلَامَةِ، وَالْعَجَلَةُ تُؤَدِّي إِلَى النَّدَامَةِ”.

وإذا أردنا أن نتختم هذه المقالة بالحديث عن التطبيقات العملية التي يرسمها المنهج الذي تحتضنه جوهرة الإمام (ع): “مَنْ عَجِلَ زَلَّ” فنقول: في اتخاذ القرارات: يجب التَّرَوِّي وجمع المعلومات قبل اتخاذ القرارات المَصيرية، حيث يُسهم التأنّي في تجنُّب القرارات الخاطئة.

وفي مجال العمل: العَجَلة في إتمام المَهام غالِباً ما تُؤَدِّي إلى أخطاء كبيرة، فمن المُهِمِّ التَّحَلِّي بالصَّبر، واتخاذ الخطوات العملية بشكل منهجي ومدروس لضمان جودة العمل.

وفي العلاقات الاجتماعية: كثيراً ما يُؤَدّي التَّسَرُّع في إصدار الأحكام على الآخرين إلى النزاعات وسوء الفهم، فيجب أن يتَحَلّى الإنسان بالصبر في تقييم الأمور والأشخاص.

وفي حَلِّ المشكلات: العَجَلة قد تؤدي إلى تفاقمها، فينبغي التفكير بهدوء وتمَعُّنٍ للوصول إلى الحلول المناسبة.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل