إن في الاستهانة بالناس، وعدم الاستفادة مما لديهم خسائر عظيمة لا تُعَوَض، وذهاب لفُرَص لا تعود، وما خرِبَت الدُّوَل والمؤسسات والأحزاب والجمعيات إلا بذلك، أو كان ذلك من أهم أسباب خرابها واضمحلالها.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنِ اسْتَهانَ بِالرِّجالِ قَلَّ”.
معادلة مهمَّة، وحكمة عملية، وتوجيه أخلاقي للتعامل مع الناس والاستفادة منهم، خصوصاً أولئك الذين يشكِّلون ركائز البناء الاجتماعي، والفكري، والثقافي، والعلمي، والسياسي، والاقتصادي، وفي أي مجال من مجالات الحياة الإنسانية من الرجال والنساء، مِمَّن لهم رأي، أو تجربة، أو اختصاص، أو قدرة، أو طاقة، أو قابلية يمكنهم أن يرفدوا المجتمع بها، ويُساهِموا في تقدُّمه ونُموِّه وتطوُره، فهؤلاء جميعاً ليس من الحكمة في شيء أن يستهين بهم المرء الحكيم، ويُقَلِّل من شأنهم، ويتجاهل وجودهم وآراءهم وتجاربهم واختصاصاتهم ومعارفهم وطاقاتهم، واعتبارها غير ذات أهميَّة، أو التعامل معهم بفوقية واستعلاء، ورؤيتهم في موقع أدنى من الذات، بل الحكمة كل الحكمة تقتضي أن يستفيد منهم، ويستشيرهم، ويُشركهم فيما يمكنهم أن يقدّموا فيه ما لديهم من خُبرات وإمكانيات.
الاستهانة بالناس رجالاً ونساءً بلاء عظيم يُبتلى به الأفراد والمؤسَّسات والجمعيات والأحزاب والسُّلُطات، ويكاد أن لا يسلَم منه أحد مِنَّا إذ: “…كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿53/ المؤمنون﴾ وينشأ ذلك من التكبُّر، والغُرور، وتضخيم الذات، والاعتداد بالرأي، والاستبداد، والحفاظ على المكاسب الشخصية، والخوف على المكانة، والموقع، والنفوذ.
إن في الاستهانة بالناس، وعدم الاستفادة مما لديهم خسائر عظيمة لا تُعَوَض، وذهاب لفُرَص لا تعود، وما خرِبَت الدُّوَل والمؤسسات والأحزاب والجمعيات إلا بذلك، أو كان ذلك من أهم أسباب خرابها واضمحلالها.
عندما يشعر الناس بعدم التقدير، يفقدون الحافز للعمل أو الولاء لشخص يستخف بهم، والاستخفاف يولد الكراهية في قلوبهم، ويؤدي إلى ابتعادهم وتفرُّقهم، ويقتل إبداعهم، ويحُدُّ من طاقاتهم، ويهدر إمكانياتهم، وغالباً ما يدعوهم ذلك إلى البحث عن البيئة التي تقدِّرهم وتحترمهم، فيبتعدون عن الشخص أو الجماعة والمؤسسة والحزب، فتفقد الجماعة والمؤسسة والحزب والفرد الطاقات العظيمة، والآراء الصائبة، والابداعات الخلّاقة، والقدرات الهائلة، وتلك خسائر لا يمكن تعويضها، فكم فكرة لدى شخص استهان به الناس كانت كفيلة بإثراء المؤسسة وإغناء الفرد وتطوير المجتمع، ذهبت أدراج الرياح لأن هناك من استهان بها واستخف، وكم من خسائر كبيرة كان يمكن تلافيها لو أن الشخص أو الجماعة أشركا الآخرين في الرأي والقرار والعمل؟!
إن احترام الناس والاعتراف بفضلهم، والاستفادة من طاقاتهم، وإشراكهم في الرأي كفيل بتقوية الروابط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتنمية العلوم وتطويرها، وتعزيز الثقة، وتقوية العلاقات، وبناء فريق قوي متماسك، وتحفيز الطاقات، وجذب الكفاءات والمواهب، ومضاعفة الفرد الذي يُقدِّره الآخرون جهوده لاثبات جدارته.
والمؤمن العاقل الحكيم الذي أخلص نيّته لله، والذي يريد أن يكون في خدمة الناس حقيقة لا ادعاءً، يعترف بجهود الآخرين، ويُتيحُ لهم التعبير عن أفكارهم وآرائهم، ويهتُّم بها، ويأخذها على محمل الجِدّ، ويُشَجِّع المبادرات، ويدعم الأفكار الإبداعية، ويساعد أصحابها على تنفيذها، ويدعو إلى التعاون بين أبناء المجتمع والمؤسسة والحزب، ويستفيد من طاقة كل مواطن في مجاله، ويُشرك الجميع في العمل كل فيما يعرف، ويحترم خصوصيات الناس، ويستخدم كل واحد منهم في العمل الذي يُتقِنه، ويضع كل واحد منهم في المكانة الجديرة به، ويشجع التعليم المستمر، ويدعم جميع الأفراد لتهذيب نفوسهم وتطوير مهاراتهم، ويُنصِفهم، ويتعامل معهم جميعاً على أساس العدل وليس المُحاباة والإثرة، ويعترف بخطئه معهم، ويعتذر إليهم إن حصل منه ذلك.