إن “البهاء” نور مصحوب بالرهبة والوقار، وفيه الجمال والمجد. وأن المرور من مواقف ومستويات مختلفة يوصل الإنسان إلى مستوى يفهم فيه أن هذه كلها مظاهر خالصة لجوهر الوحدانية وأنوار صافية لجمال النور الحقيقي.
يعتبر “دعاء السحر” من الأدعية العظيمة المروية عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وقال بهذا الصدد:
“إن هذا الدعاء هو الذي كان يدعو بها الإمام الباقر (عليه السلام) في أسحار شهر رمضان المبارك”.
ومن بين مؤلفات الإمام الخميني (رض) الجليلة والقيمة أيضاً يمكن الإشارة إلى كتاب “شرح دعاء السحر” الذي كتبه عندما كان عمره نحو 27 عاماً، وهو يدل على علمه الواسع وتصوفه منذ شبابه.
لذلك نتناول بدراسة مقاطع ونقاط من كلام الإمام الخميني (رض) بخصوص هذه الدعاء الثمين والسامي الذي ينصح بقراءته في أسحار شهر رمضان المبارك.
مستويات جمال الله
نقرأ في الآية الافتتاحية لهذا الدعاء الشريف:
“اللّٰهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ مِنْ بَهائِكَ بِأَبْهاهُ وَكُلُّ بَهائِكَ بَهِيٌّ، اللّٰهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِبَهائِكَ كُلِّهِ”.
اللهم إني أسألك بحق أجمل درجات جمالك، وكل درجات جمالك جميلة. اللهم إني أسألك بحق أجمل درجات جمالك.
ينقسم الكون في منظور العرفان الإسلامي إلى قسمين عامين:
1- عالم الشهادة: يشمل كل ما نراه بأعيننا، مثل وجودنا، الأرض، السماء، المباني،وغيرها.
2- عالم الغيب: يشمل ما خفي عن أعيننا، مثل الله، الجنة، النار، وغيرها.
وتنقسم الكائنات في الكون أيضًا إلى ثلاثة أقسام عامة:
1- المستوى العقلاني: وهو المستوى المجرد تمامًا، مثل الله.
2- المستوى المثالي: وهو الكائنات التي ليست مجردة تماماً ولا مادية تماماً، مثل الجن والملائكة.
3- المستوى الحسي: وهو الأشياء التي يمكن رؤيتها، مثل الأرض والسماء.
إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يملك جميع مستويات العقل والخيال والإحساس، وهو الذي تكمن فيه عوالم الغيب والشهادة. وفي الواقع أن الإنسان له وجود حسي يستطيع من خلال مراحل العبادة والسلوك الروحي أن يصل إلى مراحل أعلى، وهي المستوى المثالي والعقلاني.
سبب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم
بما أن الله هو خالق الإنسان الكامل والمثالي، فمن المناسب للإنسان أن يسمي ربه باسم يتناسب مع مكانة الرب، وفي نفس الوقت يحمي الإنسان مما لا يتناسب معه. ولذلك يستعيذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم:
«فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم». (سورة النحل؛ الآية 98)
إن عبارة “إني” لا تشتق من الأنانية لدى الشخص الذي يدعو، لأنها غير متوافقة مع الطلب. بل إن هذه العبارة (أسألك) كقوله تعالى: (أنتم الفقراء إلى الله).
إن إثبات الأنانية عن طريق الذل والتعبير عن الازدراء ليس أمراً غير مذموم فحسب، بل إذا أدى إلى الحفاظ على حالة العبودية والالتفات إلى الفقر والحاجة في الصحوة الثانية فهو من أعلى مراتب الإنسانية.
شرط إستجابة الدعاء
إذا كان الطلب بلغة الموهبة فإنه لا يُرفض، ويُقبل هذا الدعاء ويُستجاب له، لأن الذي يجيب الطلب هو كائن كامل فائق الكمال، ونعمته كاملة فائقة الكمال. إن عدم ظهور النعمة وتدفقها يرجع إلى عدم وجود موهبة لدى الطالب. فإذا كان الإنسان قادراً حقاً على تلقي النعمة، فإن الله سيزوده بكنوز لا تنضب ولا تفنى، ومناجم لا تنضب ولا تنقص.
ينبغي للداعي أن يجتهد في تنقية باطنه، وتطهير قلبه من الأدناس والرذائل، حتى ينتقل دعاؤه من لغة الكلام إلى لغة الحاضر، ومن لغة الحاضر إلى لغة الممكن، ومن الظاهر إلى الباطن، حتى يتحقق مراده، ويتحقق مقصده.
ما هو البهاء؟
“البهاء” نور مصحوب بالرهبة والوقار، وفيه الجمال والمجد.
إن بعض آيات دعاء السحر، كدعاء كميل، أعلى من أن نستطيع أن نتكلم مع الله بألسنتنا، لأن هذا الدعاء يحتاج إلى مستوى عال من المعرفة. لذلك فمن الأفضل أن نجعل لغتنا لغة أنبياء الله وأوليائه، وأن ندعو الله من قبلهم، ونطلب الدعاء بألسنتهم.
إن المرور عبر مواضع ومستويات مختلفة يأخذ الإنسان من حالة يسمي فيها تجليات وأنوار الحقيقة “البهي” و”الكامل” (الجميل والكامل)، وفي مرحلة أخرى يسمي بعضها “الأبهى” و”الأكمل” (الأجمل والأكمل)، إلى مرحلة يفهم فيها أنها كلها تجليات خالصة لجوهر الوحدانية وأنوار خالصة لجمال النور الحقيقي.
ولذلك يقول: «كلّ بهائك بهي. وكلّ شرفك شريف». أي: “كل جمالك جميل وكل شرفك شريف”؛ لأن في هذا الموضع لا شرف، وكل هذه الصفات هي أمواج من بحر وجود الله وأنوار من نور ذاته، وكلها متحدة بالكل والكل بالجوهر والذات.
إن “البهاء” نور مصحوب بالرهبة والوقار، وفيه جمال ومجد، ولكن بما أن الرهبة في “البهاء” على مستوى الباطن، والنور على مستوى الظاهر، فإن “البهاء” يعتبر من صفات الجمال، أما المجد فهو أمر باطني.
وأيضاً، بما أن “الجمال” هو من خصائص النعمة، من دون جواز الظهور فيه أو عدمه، فكان “البهاء” محاطا بالجمال ومحاطا به.
