إنّ شهر رجب هو شهر جلاء القلوب وتطهير الروح، شهر التوسّل والخشوع والذكر والتوبة وصقل النفس وجلائها من المعاصي والذنوب والآثام.. وكل ما في شهر رجب من الأدعية والاعتكاف والصلاة فيه وسائل وسبل تساعدنا على جلاء قلوبنا وأنفسنا، وأن ننأى بها عن المآثم والمعاصي، وأن نعمل على تطهير أرواحنا.
وهذه فرصة كبيرة بالنسبة لنا، خصوصاً أولئك الذين يوفّقون إلى الاعتكاف في هذه الأيام. رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أشهر العبادة وكان الرسول يصوم شهري رجب وشعبان فضلاً عن شهر رمضان في ذلك الحرّ القائظ، إضافة إلى الكثير من أيام السنة كما سمعنا. وعندما كان أصحابه يقولون له: يا رسول الله، لماذا كل هذا الدعاء والاستغفار والعبادة وقد غفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟! فإنه كان يجيب «أفلا أكون عبداً شكوراً»؟! ومع أنه كان لا يرى غضاضة في كسب المال عن طريق الحلال وكان يقول: «نعم العون على تقوى الله الغنى» إلاّ أنه كان يتصدّق على الفقراء بكل ما يصل إليه من مال، وكان قدوة في العبادة لدرجة أن قدميه كانتا تتورّمان من طول الوقوف في محراب العبادة.
وكان يقضي القسم الأكبر من الليل في العبادة والتضرع والبكاء والاستغفار والدعاء ومناجاة الله تعالى. شهر رجب .. عيد أولياء اللّه نحن اليوم على مشارف الدخول في شهر رجب، وهو شهر كريم ومبارك، ويُعدّ هو وشهر شعبان وشهر رمضان عيداً لأولياء اللّه وعباده الصالحين؛ لأنها موسم المناجاة والتضرّع والتوجّه إلى رب الأرباب.
فالإنسان في أيّة برهة زمنية, وفي أي شأن من شؤونه الاجتماعية، بحاجة إلى الارتباط باللّه والدعاء والتوجّه والتضرّع. وهذه حاجة أساسية إذ إنه بدون الارتباط باللّه يبقى خاوياً لا جوهر له ولا مضمون.
والتوجّه إلى اللّه والارتباط به بمثابة روح في جسم الإنسان الحقيقي, وهذا ما يوجب اغتنام كل فرصة تعرض في سبيل توثيق الصلة بين العبد وربه. وفرصة حلول شهر رجب واحدة من هذه الفرص.
الأدعية الواردة في هذا الشهر دروس تربوية يجب معرفتها. ففي الوقت الذي يوصل فيه الدعاء قلب الإنسان بربّه, ويشحن نفسه بالصفاء والمعنوية يسهم أيضاً في هداية وتوجيه فكره وذهنه. فهذه الأدعية دروس. إذا تأملنا معانيها عثرنا فيها على أثمن هدية معنوية إلهية. الإنسان بحاجة ماسّة لهذه الدروس.