ينشرُ موقعُ KHAMENEI.IR الإعلامي مقالةً تحليليّةً للباحث فؤاد إيزدي، تتناولُ التبعات القانونية والاقتصادية والسياسية لدخول الولايات المتحدة في الحرب المباشرة ضدّ إيران، وتحذرُ من الكلفة البشرية الهائلة التي قد تتكبّدها القوات الأمريكية المنتشرة في قواعد مكشوفة لصواريخ إيران. كما تكشفُ كيف يتذرّعُ الكيان الصهيوني بالملف النووي لتبرير عدوان هدفه إسقاطُ الجمهورية الإسلامية وتقسيمُ إيران، وتشددُ على أن الرأي العام العالمي، المتألّم من إبادة غزّة، يرى في طهران امتدادًا لذات القضية، ما يبدد آمال العدو في عزل إيران أو كسر صمود شعبها.
الكاتب: فؤاد إيزَدي
فداحة الكلفة البشرية التي ستتكبّدها الولايات المتحدة في حال دخولها المباشر في الحرب
بحسب تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية نفسها، تنتشر قواتها في هذه المنطقة ضمن عشرة قواعد عسكرية، ويزيد عدد جنودها فيها عن 50 ألفًا. وهذه القواعد قريبة جدًا من الحدود الإيرانية؛ بعضها يقع على ضفاف الخليج الفارسي، وبعضها الآخر أبعد قليلًا، لكنّها جميعًا أقرب بكثير من الكيان الصهيوني. لذلك، فإنّ مختلف أنواع الصواريخ البالستية الإيرانية قادرة على الوصول إلى هذه القواعد، كما أنّ قرب المسافة يقلّل كثيرًا من إمكانية رصد هذه الصواريخ؛ إذ يمكن للصاروخ الإيراني أن يصل بسهولة إلى تلك القواعد في غضون 3 إلى 5 دقائق. وفي الأراضي المحتلّة، حيث يعمل الكيان الصهيوني منذ سنوات على بناء منظومة دفاعية متعدّدة الطبقات، تصيب نسبة كبيرة من الصواريخ الإيرانية أهدافها، فكيف الحال إذًا بقواعد أمريكا التي تفتقر إلى مثل هذه الأنظمة، ولا تملك مثل هذه القدرة الدفاعية مشابهة!
وبذلك، فإنّ 50 ألف جندي أمريكي باتوا اليوم في مرمى الصواريخ البالستيّة الإيرانية فائقة القوّة، وهذا الرقم (خمسون ألفًا) هو ذات عدد القتلى الذين تكبّدهم الجيش الأمريكي طيلة نحو 12 عامًا من حرب فيتنام. أما اليوم، وفي هذه المنطقة بالتحديد، فثمّة إمكانيّة حقيقيّة لهلاك آلاف الجنود الأمريكيين في غضون أيّام قليلة؛ وهذه كلفة باهظة للغاية بالنسبة للأمريكيّين. ولعلّ أحد الأسباب التي منعت الولايات المتحدة حتّى الآن من خوض حرب مباشرة هو هذا الأمر بالتحديد، أي ارتفاع الخسائر البشرية المحتملة لقواتها العسكرية في المنطقة.
بدخولها المباشر في هذه الحرب، ستواجه الولايات المتحدة مشكلتين رئيسيتين: أوّلُهما أنّ إيران ستحصل على فرصة لاستهداف الجنود الأمريكيين المنتشرين في المنطقة. أمّا المشكلة الثانية فهي داخليّة؛ إذ إنّ إعلان الحرب، وفق القانون الأمريكي، هو من صلاحيّات «الكونغرس». واليوم، وعلى الرغم من أنّ شيئًا فعليًّا لم يحدث بعد، فإنّنا نشهد اعتراضات واسعة في «الكونغرس» بشأن احتمال انخراط أمريكا في الحرب بنحو مباشر.
عبارة قائد الثورة الإسلامية في رسالته المتلفزة الثانية الموجهة إلى الشعب الإيراني، والتي قال فيها: «بالطبع، الأمريكيون الذين هم على دراية بسياسات هذه المنطقة، يعلمون أن دخول أمريكا في هذه القضية سيكون في ضررهم بنسبة مئة بالمئة. ما ستتكبده من خسائر في هذا الصدد سيكون أكثر بكثير مما قد تتكبده إيران. ستكون خسارة أمريكا إذا دخلت هذا الميدان – إذا دخلت عسكريًا – خسارة لا يمكن تعويضها بلا شك»؛ هي عبارة دقيقة للغاية من الناحية التحليلية، وتعكس تقييمًا مبنيًّا على فهمٍ عميقٍ للوقائع الميدانية، بل إنّ المسؤولين الأمريكيين أنفسهم على درايةٍ تامّةٍ بهذا الواقع.
ولهذا أعلن ترامب، رغم كلّ ادّعاءاته، أنّ الولايات المتحدة ليست منخرطة رسميًّا في هذا الموضوع. لكنّه بين الحين والآخر يرتكب زلّة لسان؛ فعلى سبيل المثال، في 17 حزيران/يونيو، غرّد قائلًا إنّ «سماء إيران بأكملها تحت سيطرتنا». واللافت في هذه التغريدة هو استخدامه لضمير «نا» (نحن)، إذ تُظهر أنّ الهجوم على إيران مشروع أمريكي–إسرائيلي مشترك، في حين أنّ مسؤولي البيت الأبيض الآخرين نفوا ذلك في بياناتهم وتصريحاتهم الرسميّة.
تَبِعاتُ التصعيد ودخول أمريكا الحرب على اقتصادها
مع تصاعُد الحرب المفروضة على إيران، سيزداد التصعيد بشكل كبير، وهذا الأمر يحمل بعدًا اقتصاديًا واضحًا. ففي الوقت الراهن، ارتفعت أسعار النفط بشكل ملحوظ، وإذا ما اندلعت مواجهة مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، فإنّ التبعات الاقتصادية ستكون جسيمة، وهذا كلّه سيعود بالضرر على أمريكا؛ فالولايات المتحدة تعاني منذ ثلاث سنوات من التضخّم، وكان أحد الشعارات الاقتصادية الأساسيّة لحملة ترامب هو خفض التضخّم. غير أنّ اندلاع الحرب في المنطقة، وما يترتّب عليه من ارتفاعٍ في أسعار النفط، سيؤدّي إلى تفاقم التضخّم في أمريكا بشكلٍ كبير.
التبعات السياسية والقانونية لدخول أمريكا في الحرب
في شهر آذار/مارس، مثُل رئيس أجهزة الاستخبارات الأمريكية أمام مجلس الشيوخ، وقدّم في لجنة الاستخبارات تقرير المجتمع الاستخباراتي السنوي. وتضمّن التقرير ثلاث نقاط أساسية حول البرنامج النووي الإيراني:
1. إيران لا تمتلك قنبلة نووية.
2. إيران ليس دليها مشروع لصناعة القنبلة النووية.
3. المسؤولون الإيرانيون لم يتّخذوا قرارًا بصناعة القنبلة النووية.
هذا هو موقف أجهزة الاستخبارات الأمريكية قبل ثلاثة أشهر فقط. كما صرّح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرّية في مقابلة مع قناة CNN أنّهم لم يرصدوا أي مؤشّر على وجود نيّة لدى إيران لصناعة القنبلة النووية. وعليه، فلا يوجد أيّ مبرّر قانوني للهجوم على بلدٍ أقرّت كلٌّ من الوكالة الدولية للطاقة الذرّية وأجهزة الاستخبارات الأمريكية – بل والشخص المعيَّن من قِبل ترامب نفسه – بأنّه لا يملك نيّة لصناعة قنبلة نووية.
الرأي العام العالمي ودخول أمريكا في هذه الحرب
الرأي العام العالمي، الذي يعتصره الألم من جراء 19 شهرًا من الإبادة الجماعية المستمرة في غزّة، يرى اليوم أنّ الصهاينة يخطّطون لإشعال حرب واسعة جديدة في إيران. كما أن الرأي العام العالمي يدرك أنّ الهجوم الإسرائيلي على إيران لا يمكن أن يتمّ من دون دعم ومرافقة من أمريكا، إذ إنّ الطائرات الحربية التي تنفّذ عمليات ضدّ إيران تحتاج إلى التزود بالوقود للعودة إلى قواعدها، وهذا التزود يتمّ عبر طائرات التزويد بالوقود الأمريكية، والتي أُعلن أخيراً أنّ عددًا إضافيًا منها في طريقه إلى المنطقة.
من هذا المنطلق، فإنّ الجماهير المناصرة لقضيّة فلسطين حول العالم، والتي تعاني من مرارة هذه الإبادة الجماعيّة، تدرك جيّدًا أنّ «ذنب» إيران هو دعمها لقضيّة فلسطين، ولذلك فإنّهم سيقفون إلى جانب إيران. هؤلاء يُدركون أنّ شعب إيران أيضًا، كأهالي غزّة، ضحيّةٌ للمجرمين الصهاينة الذين قتلوا أكثر من 60 ألف شخص في غزّة، وهم الآن يسعون لتكرار تلك الجريمة في إيران.
لذا، فإنّ دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر في هذه الحرب سيكلّفها كثيرًا على المستويات الاقتصادية والسياسيّة والقانونيّة، وكذلك على صعيد الرأي العام. والجميع في أمريكا، بما في ذلك ترامب، يدركون هذه الحقيقة، ولهذا لم يعلنوا رسميًا عن مشاركتهم في هذه الحرب.
هدف الكيان الصهيوني وأمريكا من إشعال هذه الحرب
تشير تصريحات نتنياهو والمسؤولين الصهاينة المختلفة في هذه الأيّام إلى أنّ هدف الكيان الصهيوني والولايات المتحدة من إشعال هذه الحرب هو إسقاط نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وتقسيم إيران. سابقًا، كان تركيز تصريحاتهم يدور حول البرنامج النووي، لكنّ الواضح منذ البداية أنّ مشكلتهم لم تكن النووي، بل إيران نفسها. إنّهم يسعون إلى تقسيم إيران، لأنّ وجود بلدٍ كبيرٍ كإيران، بهذا الحجم السكاني وهذه الموارد البشريّة والطبيعيّة، يُعدّ منافسًا للكيان الصهيوني وأميركا. لا فرق لديهم أيّ نظامٍ يحكم إيران؛ فطالما أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة قائمة، فذلك سيّئ جدًّا بالنسبة لهم. ولكن، وبحسب معرفتهم بالشعب الإيراني، فهم يدركون أنّ أيّ نظامٍ آخر يأتي إلى الحكم في هذا البلد، سيكتسب طابعًا وطنيًا ويسعى نحو الاستقلال؛ ومن هنا، فهُم لا يرون بديلًا عن تقسيم إيران. إنهم يعلمون جيدًا أنّ الذي حفظ وحدة الأراضي الإيرانيّة طيلة العقود الأربعة الماضية هو نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. هدفهم إسقاط هذا النظام ليُفسَح المجال إما أمام ظهور نظام زعماء القوميات، أو أمام إقامة حكومةٍ ضعيفة في طهران، تتيح تسريع وتيرة التقسيم.
لقد أدرك كثيرٌ من الناس في إيران هذه الحقيقة، وكما جاء في كلمة قائد الثورة الإسلامية، فإنّ المسؤولين الإيرانيّين كانوا منشغلين بالمفاوضات، ولم يكن هناك أيّ مؤشّر يدلّ على نيّة إيران للقيام بخطوة حادّة؛ فوزير الخارجيّة كان يعتزم مواصلة المفاوضات غير المباشرة يوم الأحد (15/6/2025) في عُمان، وبدء الجولة السادسة مع ستيف ويتكوف، لكنّ هذه الحرب اندلعت قبل ذلك بيومين. بالإشارة إلى ما كتبه ترامب في تغريدته أنّ «الإسرائيليّين قتلوا الأشخاص الذين كانوا يتفاوضون معنا»؛ لا توجد أيّ دولة متحضّرة تقتل مَن تتفاوض معهم، سوى أمريكا والكيان الصهيوني.
يجب القول إنّ ما صرّح به نتنياهو في مقابلاته قد حدث فعلاً؛ فقد نزل الشعب الإيراني إلى الشوارع، لكنّه نزل موحَّدًا ضدّ نتنياهو. لقد أسدى نتنياهو خدمةً لإيران، إذ تسبّبت تصريحاته في خلق تلاحمٍ وطني داخل إيران، لم نشهد له مثيلًا إلّا في أيام الحرب التي فرضها صدّام على إيران؛ فهجوم صدّام حينها كان مفاجئًا، وكذلك الهجوم الذي شنّه هذا الكيان. نتنياهو هو صدّام اليوم، وهجومه خلّف في المجتمع الإيراني والرأي العام العالمي الأثر نفسه الذي خلّفه هجوم صدّام، بل إنّ صورة نتنياهو في الرأي العام العالمي اليوم، بعد 19 شهرًا من الإبادة الجماعيّة المسترة في غزة، أسوأ بكثير من صورة صدّام يومذاك، ومن هذه الزاوية، فإنّ ما قاله قائد الثورة الإسلامية بشأن سلوك الشعب الإيراني كان دقيقًا تمامًا، ويعكس فشل مخطّط الكيان الصهيوني في هذا الجانب.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir