ما هو النسيء الذي ورد أنه زيادة في الكفر في قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}، وهل كان له عند العرب قبل الإسلام نظام يدور عليه حساب السنين؟

الجواب: النسيء مصدر كالنذير والنكير معناه التأخير، والمراد منه هنا تأخير الأشهر الحرم وغيرها من الأشهر القمريّة عمّا رتّبها الله سبحانه عليه، فإنّ العرب علموا أنّهم لو رتّبوا حسابهم على السنة القمريّة فإنّه يقع حجّهم تارة في الصيف، وتارة في الشتاء، وكان يشق عليهم الأسفار، ولم ينتفعوا بها في المرابحات والتجارات؛ لأنّ سائر الناس من سائر البلاد ما كانوا يحضرون إلا في الأوقات اللائقة الموافقة، فعلموا أنّ بناء الأمر على رعاية السنة القمريّة يخلّ بمصالح الدنيا، فتركوا ذلك واعتبروا السنة الشمسيّة، ولمّا كانت السنة الشمسيّة زائدة عن السنة القمريّة بمقدار معيّن احتاجوا إلى الكبيسة، وحصل لهم بسبب تلك الكبيسة أمران:

أحدهما: أنّهم كانوا يجعلون بعض السنين ثلاثة عشر شهرًا بسبب اجتماع تلك الزيادات.

والثاني: أنّه كان ينتقل الحج من بعض الشهور القمريّة إلى غيره، فكان الحج يقع في بعض السنين في ذي الحجة، وبعده في المحرّم، وبعده في صفر، وهكذا في الدور، حتّى ينتهي بعد مدّة مخصوصة مرّة أخرى إلى ذي الحجة، فحصل بسبب الكبيسة هذان الأمران: الزيادة في عدّة الشهور، وتأخير الحرمة الحاصلة لشهر إلى شهر آخر.

هذا كله مما أفاده الرازي في تفسيره، قال: والحاصل أنّ بناء العبادات على السنة القمريّة يخلّ بمصالح الدنيا، وبناءها على السنة الشمسيّة يفيد رعاية مصالح الدنيا، والله تعالى أمرهم من وقت إبراهيم واسماعيل ببناء الأمر على رعاية السنة القمريّة، فهم تركوا أمر الله في رعاية السنة القمريّة، واعتبروا السنة الشمسيّة رعاية لمصالح الدنيا، وأوقعوا الحج في شهر آخر سوى الأشهر الحرم، فلهذا السبب عاب الله عليهم وجعله سببًا لزيادة كفرهم وإنّما كان ذلك سببًا لزيادة الكفر؛ لأنّ الله تعالى أمرهم بإيقاع الحج في الأشهر الحرم، ثم إنّهم بسبب هذه الكبيسة أوقعوه في غير هذه الأشهر، وذكروا لأتباعهم أنّ هذا الذي عملناه هو الواجب، وأنّ إيقاعه في الشهور القمريّة غير واجب، فكان هذا إنكارًا منهم لحكم الله مع العلم به، وتمرّدًا عن طاعته وذلك يوجب الكفر بإجماع المسلمين، فثبت أنّ عمله في ذلك النسيء يوجب زيادة في الكفر.

وذكر بعض المفسرين وجهاً آخر فقالوا: إنّ العرب كانت تحرّم الشهور الأربعة، وكان ذلك شريعة ثابتة من زمن إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، وكانت العرب اصحاب حروب وغارات فشقّ عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها، وقالوا: إن توالت ثلاثة أشهر حرم لا نصيب فيها شيئًا لنهلكنّ، وكانوا يؤخّرون تحريم المحرّم إلى صفر فيحرّمونه ويستحلّون المحرّم.

واتّفقوا أنّه صلّى الله عليه وآله لمّا أراد أن يحجّ حجّة الوداع، عاد الحج إلى شهر ذي الحجة في نفس الأمر، فقال: ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرًا. أراد أنّ الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل