نقل الرّاوندي في كتابه (الدّعوات) عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: لمّا نزل أمير المؤمنين النّهروان سأل عن جميل بن بصيهري -كاتب نوشيروان-، فقيل: إنّه بعد حيّ يرزق. فأمر بإحضاره، فلما حضر وجد حواسّه كلّها سالمة إلا البصر، وذهنه صافيًا وقريحته تامّة، فسأله: كيف ينبغي للإنسان يا جميل أن يكون؟
قال: يجب أن يكون قليل الصّديق كثير العدوّ.
قال: أبدعتَ يا جميل، فقد أجمع النّاس على أنّ كثرة الأصدقاء أولى.
فقال: ليس الأمر على ما ظنّوا، فإنّ الأصدقاء إذا كُلِّفوا السّعي في حاجة الإنسان لم ينهضوا بها كما يجب وينبغي، والمثل فيه هو قولهم: “من كثرة الملّاحين غرقت السفينة”.
فقال أمير المؤمنين: قد امتحنتُ هذا فوجدتُه صوابا، فما منفعة كثرة الأعداء؟
فقال: إنّ الأعداء إذا كثروا يكون الإنسان أبدًا متحرِّزا متحفِّظا أن ينطق بما يؤخذ عليه، أو تبدر منه زلّة يؤخذ عليها، فيكون أبدًا على هذه الحالة سليمًا من الخطايا والزلل.
فاستحسن ذلك منه أمير المؤمنين عليه السّلام.
المصدر: بحار الأنوار ج 34 ص344.