قدّم حجّة الإسلام والمسلمين حميد بارسانيا، عضو هيئة التدريس بجامعة باقر العلوم (عليه السلام)، تحليلًا تاريخيًّا وفلسفيًّا للتحوّلات الفكريّة في العالم الغربيّ بعد الحروب العالميّة، مشيرًا إلى أنّ التيّار الماركسيّ ظهر بعد الحربين العالميّتين الأولى والثانية كـ «آخر» للنظام الرأسماليّ من رحم الحضارة الحديثة والليبراليّة الغربيّة، إلّا أنّ هذا التيّار لم يستطع الصمود في مساره التاريخيّ أمام هيمنة النظام الليبراليّ الرأسماليّ، ممّا أدّى إلى تهميشه.
وجاء ذلك خلال كلمته في الندوة العلميّة المعنونة بـ «الحوار العلميّ حول النموذج الحضاريّ البديل في مواجهة الأحاديّة الغربيّة»، والتي عُقدت بمشاركة البروفيسور فريد إسحاق، الأستاذ بجامعة هارفارد.
وتطرّق عضو المجلس الأعلى للثورة الثقافيّة في إيران إلى الرسالة التاريخيّة التي وجّهها الإمام الخمينيّ (رضوان اللّه عليه) إلى ميخائيل غورباتشوف، وقدّم فضيلته تحليلًا فلسفيًّا وعرفانيًّا لها، موضّحًا أنّ الإمام الخمينيّ (رضوان اللّه عليه) انتقد بنظرته الثاقبة في هذه الرسالة مواطن الضعف الجوهريّة في الفلسفة والرؤية الكونيّة الغربيّة، وأبرز في المقابل قدرات الفلسفة الإسلاميّة والحكمة الإسلاميّة والتراث الفكريّ لعلماء المسلمين بوصفها بديلًا جادًّا. كما اعتبر أنّ مقترح الإمام بإيفاد نخبٍ للتعرّف المباشر على هذه الحكمة والفلسفة يعكس ثقةً راسخةً بالقدرة الحضاريّة والمعرفيّة للإسلام.
ولفت عضو هيئة التدريس بجامعة باقر العلوم (عليه السلام) إلى التحوّلات التي أعقبت انهيار الكتلة الشرقيّة، مبيّنًا أنّ المفكّرين الغربيّين اتّجهوا نحو فكرة «حوار الحضارات» بعد فشل الماركسيّة وتفرّد الغرب بالساحة مجدّدًا، معتبرًا أنّ تبنّي هذه الفكرة يدلّ على أنّ الغرب توصّل إلى قناعةٍ مفادها أنّ معالجة أزماته الداخليّة لا يمكن أن تتمّ من داخل الحضارة الغربيّة وحدها، بل تستلزم الالتفات إلى طاقات الحضارات الأخرى.
وشدّد حجّة الإسلام والمسلمين بارسانيا على المكانة المحوريّة للحضارة الإسلاميّة، مؤكّدًا أنّها تمثّل المنافس الأبرز والأهمّ للحضارة الغربيّة بفضل ما تمتلكه من قدراتٍ معنويّةٍ وعقائديّةٍ واجتماعيّةٍ عميقةٍ تؤهّلها لإدارة المجتمع وتقديم نموذجٍ حضاريٍّ متكاملٍ، وهو ما جعل العالم الإسلاميّ يكتسب أهمّيّةً خاصّةً لدى الغرب، مبيّنًا في الوقت ذاته، أنّ العالم الإسلاميّ يحتوي على طاقاتٍ واسعةٍ، وأنّ المساهمة في نضوج حضارته لا يمكن إلا من خلال التضامن والمشاركة وتفعيل تلك الطاقات.