وضعت سيدة نساء العالمين وليدها العظيم الذي لم تضع مثله سيدة من بنات حواء لا في عصر النبوة، ولا فيما بعده، أعظم بركة ولا أكثر عائدة على الإنسانية منه، فلم يكن أطيب، ولا أزكى ولا أنور منه.
لقد أشرقت الدنيا به، وسعدت به الإنسانية في جميع أجيالها، واعتز به المسلمون، وعمدوا إلى إحياء هذه الذكرى، افتخارا بها في كل عام، فتقيم وزارة الأوقاف في مصر احتفالا رسميا داخل المسجد الحسيني اعتزازا بهذه الذكرى العظيمة كما تقام في أكثر مناطق العالم الإسلامي.
وتردد في آفاق يثرب صدى هذا النبأ المفرح فهرعت أمهات المؤمنين وسائر السيدات من نساء المسلمين إلى دار سيدة النساء، وهن يهنئنها بمولودها الجديد، ويشاركنها في أفراحها ومسراتها.
وجوم النبي صلى الله عليه وآله وبكاؤه:
ولما بشر الرسول الأعظم بسبطه المبارك خف مسرعا إلى بيت بضعته فاطمة عليه السلام وهو مثقل الخطا قد ساد عليه الوجوم والحزن، فنادى بصوت خافت حزين النبرات.
“يا أسماء هلمي ابني”.
فناولته أسماء، فاحتضنه النبي، وجعل يوسعه تقبيلا، وقد انفجر بالبكاء فذهلت أسماء، وانبرت تقول: “فداك أبي وأمي مم بكاؤك؟!!”.
فأجابها النبي صلى الله عليه وآله وقد غامت عيناه بالدموع.
“من ابني هذا”.
وملكت الحيرة إهابها فلم تدرك معنى هذه الظاهرة ومغزاها فانطلقت تقول: “إنه ولد الساعة”.
فأجابها الرسول بصوت متقطع النبرات حزنا وأسى قائلا: “تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي…”.
ثم نهض وهو مثقل بالهم وأسر إلى أسماء قائلا: “لا تخبري فاطمة فإنها حديثة عهد بولادة…”.
وانصرف النبي صلى الله عليه وآله وهو غارق بالأسى والشجون، فقد استشف من وراء الغيب ما سيجري على ولده من النكبات والخطوب التي تذهل كل كائن حي.
سنة ولادته:
واستقبل سبط النبي صلى الله عليه وآله دنيا الوجود في السنة الرابعة من الهجرة، وقيل في السنة الثالثة واختلف الرواة في الشهر الذي ولد فيه فذهب الأكثر إلى أنه ولد في شعبان…”.
مراسيم ولادته:
وأجرى النبي صلى الله عليه وآله بنفسه أكثر المراسيم الشرعية لوليده المبارك، فقام صلى الله عليه وآله بما يلي:
أولاً: الأذان والإقامة
واحتضن النبي وليده العظيم فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى.
وجاء في الخبر”أن ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم”.
إن أول صوت اخترق سمع الحسين هو صوت جده الرسول صلى الله عليه وآله الذي هو أول من أناب إلى الله، ودعا إليه، وأنشد ذلك الصوت: “الله أكبر لا إله إلا الله…”.
لقد غرس النبي صلى الله عليه وآله هذه الكلمات التي تحمل جوهر الإيمان وواقع الإسلام في نفس وليده، وغذاه بها فكانت من عناصره ومقوماته، وقد هام بها في جميع مراحل حياته، فانطلق إلى ميادين الجهاد مضحيا بكل شيء في سبيل أن تعلو هذه الكلمات في الأرض، وتسود قوى الخير والسلام وتتحطم معالم الردة الجاهلية التي جهدت على إطفاء نور الله.
ثانيا: التسمية
وسماه النبي صلى الله عليه وآله حسينا كما سمى أخاه حسنا، ويقول المؤرخون لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الاسمين حتى تسمي أبناءهما بهما، وإنما سماها النبي صلى الله عليه وآله بهما بوحي من السماء.
وقد صار هذا الاسم الشريف علما لتلك الذات العظيمة التي فجرت الوعي والإيمان في الأرض، واستوعب ذكرها جميع لغات العالم، وهام الناس بحبها حتى صارت عندهم شعارا مقدسا لجميع المثل العليا، وشعارا لكل تضحية تقوم على الحق والعدل.
ثالثا: العقيقة
وبعدما انطوت سبعة أيام من ولادة السبط أمر النبي صلى الله عليه وآله أن يعق عنه بكبش، ويوزع لحمه على الفقراء كما أمر أن تعطى القابلة فخذاً منها، وكان ذلك من جملة ما شرعه الإسلام في ميادين البر والإحسان إلى الفقراء.
رابعا: حلق رأسه
وأمر النبي صلى الله عليه وآله أن يحلق رأس وليده، ويتصدق بزنته فضة على الفقراء، فكان وزنه-كما في الحديث- درهما ونصف، وطلى رأسه بالخلوق-طيب مركب من الزعفران وغيره- ونهى عما كان يفعله أهل الجاهلية من إطلاء رأس الوليد بالدم.
خامسا: الختان
وأوعز النبي صلى الله عليه وآله إلى أهل بيته بإجراء الختان على وليده في اليوم السابع من ولادته، وقد حث النبي صلى الله عليه وآله على ختان الطفل في هذا الوقت المبكر لانه أطيب له وأطهر.
رعاية النبي صلى الله عليه وآله للحسين عليه السلام:
وتولى النبي صلى الله عليه وآله بنفسه رعاية الحسين، واهتم به اهتماما بالغا فمزج روحه بروحه، ومزج عواطفه بعواطفه، وكان – فيما يقول المؤرخون -: يضع إبهامه في فيه، وأنه أخذه بعد ولادته فجعل لسانه في فمه ليغذيه بريق النبوة وهو يقول له: “إيها حسين، إيها حسين، أبى الله إلا ما يريد هو- يعني الإمامة -فيك وفي ولدك…”.
لقد سكب الرسول صلى الله عليه وآله في نفس وليده مُثُلَه ومكرماته ليكون صورة عنه، وامتدادا لحياته، ومثلا له في نشر أهدافه وحماية مبادئه.
تعويذ النبي صلى الله عليه وآله للحسنين عليهما السلام:
وبلغ من رعاية النبي صلى الله عليه وآله لسبطيه، وحرصه على وقايتهما من كل سوء وشر أنه كان كثيرا ما كان يعوذهما فقد روى ابن عباس قال:”كان النبي صلى الله عليه وآله يعوذ الحسن والحسين قائلا: “أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة” ويقول: “هكذا كان إبراهيم يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق”.
ويدل ذلك على مدى الحنان، والعطف الذي يكنه صلى الله عليه وآله لهما، وأنه كان يخشى عليهما من أن تصيبهما عيون الحساد فيقيهما منها بهذا الدعاء.
نقش خاتمه:
كان له خاتمان أحدهما من عقيق، وقد نقش عليه “إن الله بالغ أمره”، الثاني وهو الذي سلب منه يوم قتل، وقد كتب عليه “لا إله إلا الله عدد لقاء الله”، وقد ورد “أن من يتختم بمثله كان له حرز من الشيطان”.
استعماله الطيب:
وكان الطيب محبباً إليه، فكان المسك لا يفارقه في حله وترحاله، كما كان بخور العود في مجلسه.
دار سكناه:
وأول دار سكنها مع أبويه كانت الدار المجاورة لبيت عائشة ولها باب من المسجد، وتعرف بدار فاطمة.
* حياة الامام الحسين بن علي عليهما السلام، الشيخ باقر شريف القرشي