في السیرة الإمام محمد المـهدي /
المهدوية من القضايا التي كثر ادّعاؤها ومنتحلوها على طول خط التأريخ، وكلّها أثبت الزمان كذبها وافتراءها، وما زالت أيامنا هذه تجهض بولادات غير شرعية من مدّعين لشخصية الإمام عليه السلام، كذلك لم يقتصر الادّعاء والانتحال على الإمام، بل تعدّاه إلى انتحال شخصيات قبيل الظهور، أو بالأحرى إطلاق نعوت وصفات على بعض الشخصيات من قبل البعض سواء كانت السلبية منها أو الإيجابية، كالنفس الزكية والخراساني واليماني والسفياني والشيصباني… الخ.
والسؤال هنا هو:
عندما يخرج الإمام عليه السلام حقيقة، فكيف لنا أنْ نميّز دعوته عن تلك الافتراءات الكاذبة، بعد أنْ أصبح تكذيب مثل هذا النوع من الانتحال ثقافة دينية عامة لدى الأوساط المؤمنة.
وسنحاول أنْ نذكر الجواب بعدة نقاط إنْ شاء الله تعالى:
أولاً:
هنالك علامات حتمية للظهور، وهي واضحة بيّنه لا يمكن انتحالها، كالصيحة والخسف بالسفياني والخسوف والكسوف في غير وقتها المعتاد… أمّا أولئك المنتحلون فهم لم يراعوا تلك الإشارات السماوية للظهور الميمون، وهي كما ترى جليّة ولا تقبل التشكيك، خاصة للمؤمنين بهذه القضية المباركة، وهم على دراية بتفاصيلها، مع ملاحظة أنّ الدلائل السماوية اقترنت قبل مجيء بعض الأنبياء، وأنّ الناس كانوا ينتظرون بعض العلامات لغرض الاسترشاد بوقت إرسال رسول أو ولادة بعض الأنبياء، وهذا حصل مع نبي الله عيسى عليه السلام ومع نبين صلى الله عليه وآله وسلم، فورد أنّه عند ولادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم انكسر إيوان كسرى وسقطت أربع عشرة شرفة منه، وانخمدت نار فارس التي كانت تعبد، وجفّت بحيرة ساوة، ورميت الشياطين بالنجوم حتّى ظنّت قريش أنها قيام الساعة…الخ.
إذن فالعلامات الحتمية هي قرائن ودلائل بارزة على حقّانية وثبوت الظهور الميمون.
ثانياً:
إنّ الظهور لا يعني الإدّعاء ولا استجداء الأنصار ولا الانتظار بعد أنْ ظهر شخصه عليه السلام حتى يكتمل العدد، وإنما هو لا يظهر حتى يكتمل أتباعه، وسيباشر بالمواجهة وتحرير الأرض من الظلمة، فمراحل حركة ظهور الإمام واضحة وبيّنة وقد رسمتها الروايات الشريفة، وهي التي ستكون وستجري رغم تكالب القوى الكبرى عليها، وهو التحرك من المدينة المنورة إلى مكة ثم الى المدينة المنورة، ومنها الى العراق، وبعد ذلك سيستقر عليه السلام في الكوفة، ثم تكون هنالك حروب في الشام وباقي مناطق الشرق… هذه الحركة أو أية خطة غيرها تشير دلائلها التي تتمثل بتهاوي القوى الكبرى، شيء يجب أنْ يؤخذ بنظر الاعتبار، ومع إضافتها إلى دلائل أخرى فإنّ معرفة الشخص للإمام عليه السلام سيكون بيّناً.
ثالثاً:
تشير الروايات بأنه عند الظهور ستتكامل عقول المؤمنين وكذلك أحلامهم، وهذا يعني أن السذاجة وقابلية الخداع والانجرار وراء كل ادّعاء، واتّباع الظنون والشكوك هي غير متوقعة لمن أصبح يحمل صفات المؤمنين من الفطنة والكياسة.
فعن الإمام الباقر عليه السلام: (إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت أحلامهم).
فالإمام عليه السلام عند ظهوره سيخرج بطلائع الناس وعقلائهم وخيرتهم.
فعن الإمام الباقر عليه السلام: (كأنّي بأصحاب القائم عليه السلام وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلّا وهو مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كل شيء حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم عليه السلام).
وورد عنه عليه السلام: (يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيّف عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر والأبدال من أهل الشام والأخيار من أهل العراق فيقيم ما شاء الله أنْ يُقيم).
بل يصفهم أمير المؤمنين عليه السلام في حديث له: (…لم يسبقهم الأوّلون ولا يدركهم الآخرون…).
رابعاً:
الحق والصدق لا بدّ أنْ يكون مميزاً ومختلفاً عن الكذب والادّعاء والافتراء، كون الحق منصوراً من قبل الحق تعالى، وكون الصدق مقروناً بقرائن وأدلة لا تدّعى ولا تفترى، ولهذا عبّر الائمة عليهم السلام بأنّ أمرهم أبين من الشمس.
يصف الإمام الحسن عليه السلام في كلام له بأنّ الإمام عليه السلام ليس حقاً فقط وإنّما هو إمام الحق: (…أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البرّ والفاجر حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم).
خامساً:
من أفضل استعدادات الظهور وخاصة الاستعداد للتوفيق بمعرفة الإمام عليه السلام والإيمان بدعوته حين خروجه هو الانتظار الصحيح في عصر الغيبة الكبرى المصاحب للإخلاص، فحاشا لله أنْ يترك عبده في مهبّ الريح مادام مخلصاً وعاملاً بالأوامر الإلهية وتوجيهات أهل البيت عليهم السلام ، ولهذا فالانتظار هو عمل عبادي له أركانه وشروطه وواجباته.
وليس الانتظار هو مجرد الترقّب وتوقّع الظهور، فالانتظار تهيّؤ، وكذلك عمل دؤوب لغرض تحقيق مقدماته وموجباته ورفع موانعه.
الكاتب: يحيى غالي ياسين