في السیرة الإمام محمد المـهدي /
بعد أنْ تصاعدت لبنات التنظير الفوقي لنظرية الإصلاح والمصلح في كتاب الله تعالى وفي بيانات رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه المعصومين عليهم السلام، جاء دور التطبيق الخارجي لتلك البيانات، وأهم مفردة من مفردات التطبيق الخارجي لهذه النظرية هو بيان وتحديد الهوية الشخصية لقائدها، لسد الطريق أمام الطموحات السياسية لاستغلال ذلك البناء الذي يحمل شرعية القيام والثورة، ولهذا السبب، حدّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسب هذا القائد بتحديدات ضيّقت على المتصيدين الفرصة لاستغلاله.
يقول ابن ماجه، والحاكم، والسيوطي، وغيرهم إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسب المهدي عليه السلام الى عبد المطلب فقال: (نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي عليهم السلام).
ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك, بل سمّاه عليه السلام باسمه فقال: (لا تنقضي الأيام ولا يذهب الأمر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي اسمه يواطيء اسمي).
و وضعه في إطار أضيق من ذلك، إذ جعله في أولاد فاطمة عليها السلام فقال: (المهدي عليه السلام حق وهو من ولد فاطمة عليها السلام).
والغريب أنّ هذا الحديث تعرّض لمحاولة حذف من صحيح مسلم، فبينما نشاهد ابن حجر والمتقي الهندي والشيخ محمد بن علي الصبان والشيخ حسن العدوي المالكي قد خرّجوا هذا الحديث من صحيح مسلم، نجد أنّ صحيح مسلم في طبعاته الجديدة خالٍ من هذا الحديث.
الى هنا ثبت أن المهدي عليه السلام اسمه محمد، ومن اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ولد فاطمة عليها السلام، وبهذا يستطيع كل من ينتسب إلى فاطمة عليها السلام أنْ يستغل هذا اللقب للحصول على شرعية القيام والثورة، لكنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أضاف له تحديداً آخر ضيّق بموجبه الفرصة من جديد.
يقول الدار قطني، وابن الصباغ المالكي، والسمعاني، والقندوزي الحنفي، والشيخ الصدوق، وغيرهم، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام: (يا فاطمة: إنّا أهل بيت أُعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت عليهم السلام… ومنّا مهدي الأمّة عليه السلام الذي يصلّي عيسى عليه السلام خلفه، ثم ضرب صلى الله عليه وآله وسلم على منكب الحسين عليه السلام فقال: مِن هذا مهدي الأمّة).
وأخرج الصدوق قدس سره عن سلمان رضي الله عنه قوله: دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا بالحسين عليه السلام على فخذيه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: (أنت سيد ابن سيد، أنت إمام بن إمام أبو أئمة، أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم).
الى هنا ثبت أنّ المهدي عليه السلام اسمه محمد من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة عليها السلام وهو التاسع من ولد الحسين عليه السلام ويصلّي عيسى عليه السلام خلفه، وقد ثبت في حديث اللوح وغيره تسمية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأئمة واحداً واحداً، حتى وصل الى المهدي المنتظر عليه السلام.
فهذه التحديات جاءت في روايات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يطعن أحد في هذا من قبل علماء التشيع، بل إنّ المذهب الإمامي الإثني عشري قائم على تسمية الأئمة عليهم السلام ابتداءً بعلي عليه السلام وانتهاء بالمهدي عليه السلام.
بعد البيانات التي أبداها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حول مصداق النظرية المهدوية، واصل أهل بيته عليهم السلام هذا الدور كي يغلقوا الباب أمام كل من له طموح القيادة السياسية لاستغلال هذا اللقب أو تزويره، فأكّد أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام على ذلك في عدّة أحاديث، منها:
روى أبو وائل قال: نظر علي عليه السلام إلى الحسين عليه السلام فقال: (إنّ ابني هذا سيد كما سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم يخرج على حين غفلة من الناس وإماتة الحق وإظهار الجور ويفرح لخروجه أهل السماء وسكانها وهو رجل أجلى الجبين أقنى الأنف … الخ).
وروى الأصبغ بن نباته عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (المهدي منّا في آخر الزمان لم يكن في أُمّة من الأُمم مهدي ينتظر غيره).
فنفى الإمام مهدوية من لم ينتمِ إلى أهل البيت عليهم السلام، وأكثر صراحة من ذلك كلّه ما رواه الحسين عليه السلام عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام إذ قال له: (التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق).
ونقل ابن حماد أيضاً قول أمير المؤمنين عليه السلام (هو رجل منّي).
وأشكل البعض بأنّ المهدي إذا كان من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما نصّت عليه الأحاديث المتقدمة فكيف يكون من ولد علي عليه السلام؟.
ولا أعتقد أنّ هناك من يتوقف بالجواب على هذا التساؤل، فأمّا انتسابه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو عن طريق فاطمة عليها السلام، وأمّا لعلي عليه السلام فلأنه زوج البتول عليها السلام وقرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وجاء دور الإمام الحسن عليه السلام ليحدد نسب هذا المصلح ويؤكد ما ذكره جدّه صلى الله عليه وآله وسلم وأبوه عليه السلام بأنّ المهدي هو التاسع من ولد الحسين عليه السلام فقال عليه السلام متحدثاً عنه في حديث طويل بعد الصلح مع طاغية زمانه معاوية: (ذلك التاسع من ولد أخي الحسين عليه السلام).
وجاء دور الحسين عليه السلام ليقول: (في التاسع من ولدي سنّة من يوسف عليه السلام وسنّة من موسى عليه السلام، وهو قائمنا أهل البيت عليهم السلام يصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة).
وقال أيضاً: قائم هذه الأمّة هو التاسع من ولدي، هو صاحب ا لغيبة.
وورد عنه عليه السلام: منّا اثنا عشر أميراً أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم التاسع من ولدي عليه السلام.
وأمّا زين العابدين عليه السلام فقد قال: (فإنّ للخامس من ولده _أي من ولد الإمام الصادق عليه السلام_ ولداً اسمهُ جعفر يدّعي الإمامة اجتراءً على الله ورسوله).
وذكر روايات عديدة لا تختلف في محتواها عن الروايات التي جاءت عن طريق أجداده وآبائه، و وصل الدور الى الإمام الباقر عليه السلام فذكر أسماء الأئمة وتعدادهم كما جاء في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي قدس سره.
وروى الحميري قدس سره عن الصادق عليه السلام فقال: قلت له: يا ابن رسول الله قد رويت لنا أخبار عن آبائك في الغيبة وصحة كونها، فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه السلام: (إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي حديث له قال: (يظهر صاحبنا وهو من صلب هذا _و أومأ بيده الى موسى بن جعفر عليه السلام_ فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً وتصفوا له الدنيا).
ويقول يونس بن عبد الرحمن: دخلت على موسى بن جعفر عليه السلام فقلت: يا ابن رسول الله أنت القائم؟ فقال: (أنا القائم بالحق، ولكنّ القائم بالحق الذي يطهّر الأرض من أعداء الله يملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي).
وأمّا الإمام الرض عليه السلام فقد ذكر ذلك إلى دعبل بقوله: (يادعبل! الإمام من بعدي ابني محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته).
وتحدّث الإمام الجواد عليه السلام عن هذا الموضوع فقال: (هو الثالث من ولدي والذي بعث محمداً بالنبوّة وخصّنا بالإمامة إنه لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه).
و روى الصقر بن أبي دلف قال: سمعت علي بن محمد بن علي الرض عليه السلام يقول: ( الإمام بعدي الحسن عليه السلام ابني وبعده ابنه القائم عليه السلام الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
الکاتب: السيد نذير الحسني