Search
Close this search box.

باحث جزائري يحدثنا : من وحي عاشوراء (6) و الاخيرة

باحث جزائري يحدثنا : من وحي عاشوراء (6) و الاخيرة

المهندس غريبي مراد عبد الملك كاتب وباحث إسلامي جزائري يحدثنا عن واقعة الطف

يبدو أن لعاشوراء وقع كوقع السيوف على الرقاب، فالقاسطون أنهكتهم رياح كر بلاء الساخنة، و انقلب السحر على الساحر، و تجلى فجر عاشوراء الحسين عليه السلام، بنور أبي عبد الله الحسين عليه السلام و أبي الفضل العباس عليه السلام و تضحيات آل بيت النبوة عليهم السلام و الأصحاب الغر الميامين رضوان الله عليهم و إنبجست أهداف الثورة الحسينية بصوت عقيلة بني هاشم زينب عليها السلام في كل كلماتها الرسالية الخالدة و بطولتها الإسلامية الرائعة، فلا ابن مرجانة أسكت العالمة المعلمة و لا الدعي بن الدعي نال من كبرياء الشرفاء الطاهرين عليهم السلام، لأن أهل البيت عليهم السلام هو عنوان الحقيقة بكل عناوينها العظيمة من العلم و حتى البطولة وصولا للشهادة عبر الزمن الإسلامي كله، فلا مراء و لا جدال بخصوص وجاهة و عظمة أنوار الوجود صلوات ربي و سلامه عليهم أجمعين.

و وجاهة و عظمة أهل البيت عليهم السلام ليست وجاهة و عظمة كالتي نعهدها في مجتمعاتنا المادية و السطحية المتخلفة ،إنها الوجاهة الإسلامية و العظمة الأخلاقية الرسالية ،التي تنزع اللثام عن كل الفساد و الخبث الإنساني لأنها الحق الخالص الذي لا تشوبه الشوائب ولا تسقطه النوائب ، بل هي الإسلام كله ، ذلك الدين القيم. الوجاهة و العظمة في الإمامة هي وزارة النبوة في الزمن الباقي من الحياة الدنيا، و النبيه العارف و المؤمن بكنه النبوة لامناص من أنه مدرك موقن بحق الإمامة و دورها في المسيرة الإسلامية بعد النبوة في الدنيا و الآخرة.

لابد أن نستوعب دروس كربلاء، بنوع من الصدق و الواقعية و الهمة و النخوة الإنسانية و التطلع الرسالي المنفتح على الغيب ،لأن من تعلق قلبه بالدنيا لا يبقى في وسعه أن يستقبل نور كربلاء ، أو قل كربلاء حساباتها غير حسابات الدنيا ، إنها عنوان الرشد الإيماني و جامعة السفر إلى الآخرة بنفس مطمئنة…

يمكن أن نكون مطلعين على تاريخ واقعة الطف، لكن الإطلاع و المعرفة لوحدها لا تكفي كما السماع لحديث عاشوراء لوحده يبقى ناقصا، فذاك عمر بن سعد كان يحمل في عقله معرفة للإمام الحسين عليه السلام لكنه لم يكن أبدا عارفا مؤمنا بالإمام الحسين عليه السلام، و لك أخي المسلم المؤمن ، أن تنفتح على تفاصيل الواقعة بغثها و سمينها مع التمحيص للأخبار لتكتشف أن كربلاء عاصمة الوعي الإسلامي في الزمن الإسلامي كله ، و نبراس الحركة الإسلامية الرشيدة ،كما لا ننسى أن نقول كربلاء التي نقصدها هي ذلك النور الذي قدم من مدينة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،و طاف بمكة و بلغ العراق ليشعل الشموع الرسالية التي منها من سكن العراق و منها من أكمل المسيرة إلى الشام ليبلغ رسالة النور الحسيني للعالم كله …

بعد هذه العشرة المباركة التي تزينا فيها بالسواد، لا حزنا كحزن الأدعياء و لكن حزنا يختزن الإيمان و الحكمة و التطلع الإسلامي و يشع بالأمل المهدوي المشرق ، حزنا يخطط للتغيير ، حزنا يومئ بغد ثقيل حمله، شديد وصله،عظيم كسبه، حزنا ينهض بالمسؤولية من براثين التخلف و الذل و الهون والمجون الدنيوي …حزنا يرشدنا لأخطائنا و تقصيرنا في حقوق الإسلام كلها من القرآن و النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم و أهل البيت عليهم السلام إلى الصلاة التي أصبحت عندنا عادة كالأكل و الشرب ، بينما الإمام الحسين عليه السلام خرج من أجل الصلاة التي أراد أبناء الطلقاء طمسها، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء و المنكر ، الصلاة التي تجمع المسلمين تحت سقف واحد مهما اختلفت آراؤهم و مشاربهم ، الصلاة التي تفتح العقل و القلب على الحقيقة الوجودية في الإسلام (الآخرة” الجنة أو النار”)، الصلاة التي نصنع بها الشباب الحسيني الذي يلتقي بالإمام المهدي عليه السلام و عجل الله فرجه الشريف ، الصلاة التي تقوم(بكسر الواو مع الشدة) كل فصول يومك أيها المسلم ، الصلاة التي تملأ قلبك بوقود التقوى و الرحمة و الحكمة…الصلاة عمود الدين ،عندما نرتقي لهذا المعنى و ننفتح على أبعاده سوف نفهم أن الإمام الحسين عليه السلام خرج بشعار الأمة الإسلامية ،و أن تكون حسيني الخلق عليك أن تتحرك بمنطق الأمة و إلا تكون يزيدي الدين ليس الخلق فحسب، لأن يزيد أراد أن يمسخ المسلمين بأن يطمس كل ركائز و معالم هذا الدين الحنيف …هذه المقابلة نلتمس تفاصيلها في القصص القرآني و خاصة في سورة هود. لذلك لابد أن نسلم الإسلام الأصيل و نتشيع التشيع الواعي و نؤمن الإيمان الصادق و العميق ، و نتربى في مدرسة الثقلين بمنهج متوازن و متوازي يعيد لنا الفطرة الإنسانية التي يمثلها صنوان العقل الرشيد و القلب السليم…

وواقعنا الإسلامي كله، من الفرد و البيت إلى كل التكثلات الإجتماعية ، تنذر بخبال خطير ، مرده للغفلة و النسيان و التدين المنحرف، أضف إلى ذلك نتائجه من التخلف و الجبن و الحساسيات و الانفعالات و اللا أخلاق ناهيك عن الأمراض الروحية كالحسد و الجحود و النفاق والعجب و ما إلى ذلك …ثم نهمد ليلا و كأننا ملائكة كنا طيلة اليوم ، و نقول في الشوارع بملأ أصواتنا لبيك يا محمد و لبيك يا حسين و لبيك يا قرآن، و بيوتنا و أولادنا و جيراننا و حكامنا يصيحون فعلا لا قولا “لبيك يا أمريكا” و “لبيك يا ظالم”…قد نحب و نقدس النبي الأكرم (ص) و نعرف عن سيرته العطرة العظيمة الكثير و كذلك الأئمة عليهم السلام و القرآن لكن هل فعلا نؤمن بهذا كله الإيمان الخالص الطاهر النقي ؟ الذي ينتشلنا من نيران “كبر مقتا …”

علينا أن نستحضر نهضة الإمام الحسين عليه السلام الآن أكثر، لنستلهم كيف يرقى صوتنا ليكون ثورة كما كان صوت الإمام الحسين عليه السلام ثورة خالدة و صوت العقيلة زينب عليها السلام، لأن صوتنا الآن أنين من أمراض التخلف و الطغيان و النفاق و الظلم المستشري في أوساطنا والجهل المسيطر على سياساتنا، و صدى لخطط المستكبر ، و القارئ الأمين لتاريخ الثورة الحسينية يلحظ أن الإمام الحسين عليه السلام وجه نهضته للمجتمع الفاسد قبل القيادة الفاسدة التي لم يعترف بها أبدا ، لكننا نحن نقدس الإمام الحسين عليه السلام القداسة الانتحابية لا القداسة الرسالية … !؟

فقبل التفكير في الثورة على الظلم الكبير، علينا أن نفكر في الثورة على الظلم الصغير الذي صنع الظلم الكبير ،ذلك الظلم الناشئ من الجهل بالإسلام و الحراك الإسلامي البليد ، ذلك الظلم الصادر من تقصيرنا في مجال الوحدة الإسلامية التي تغني الدعوة الإسلامية في العالم ، ذلك الظلم الذي أسكناه بيوتنا و أسواقنا و مجالس سياساتنا ، ذلك الظلم الذي عرفناه بمواقع ضعفنا ليقتلنا دون عناء و لا تعب …

“لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبعوا ملتهم …” قد نعرف هذه الآية و نقرأها كل يوم أو في الشهر مرة ، لكن للأسف لا نؤسس من خلالها في حراكنا الإسلامي ، بل دوما نتحرك لنحقق شرط اليهود و النصارى على أساس بلادتنا و حمقنا و جبننا الرسالي، لأن عقولنا لا تفهم بعد الحق و قلوبنا لا تحب الحق، لأن الظلم يملأها…

بالمختصر المفيد، هذه السلسلة “من وحي عاشوراء” هي نتاج مخاض عسير في واقع إسلامي باغ أهله على بعضهم … هي نزر يسير من إستضعاف عظيم…إنها رسالة كربلاء التي وصلتني بعد عشرية من النهل من رحابة كربلاء الإمام الحسين عليه السلام…فهمت منها أن واجبنا نحو الإمام الحسين عليه السلام أن نحدث أطفالنا عنه عليه السلام و عن أهل بيته عليهم السلام و أصحابه الكرام رضوان الله عليهم كل ليلة حتى نركز شعار: الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء…لابد أن يبقى ذكر الحسين عليه السلام في بيوتنا بفتح كل الأحاديث عن عاشوراء و أهدافها من خلال المكتبة و الشاشة و العلاقات الاجتماعية…و سلام هي حتى مطلع الفجر المهدوي…

بإذن الله تعالى نبقى نستلهم من القرآن حقائق عاشوراء:”أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لم يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء و الضراء و زلزلوا حتى يقول الرسول و الذين أمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب”(سورة البقرة/214)

و تبقى أحاديث كثيرة في هذا الفضاء العاشورائي توجه المؤمنين الصادقين إلى المسؤولية الإسلامية الحقة و التوعية الإسلامية الأصيلة…

” و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر”(سورة آل عمران/104)

السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين، السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين و ابن سيد الوصيين و ابن فاطمة سيدة نساء العالمين، صنوان سيد شباب أهل الجنة، السلام عليك يا سيد الشهداء و أبو الأحرار، السلام عليك يا ثار الله و ابن ثاره و الوتر الموتور، السلام على الأرواح الطاهرة التي حلت بفنائك و السلام على أبي الفضل العباس و أهل بيتك الأطهار و على أصحابك الأحرار… عليكم مني جميعا سلام الله أبدا ما بقيت و بقي الليل و النهار و لا جعله الله آخر العهد مني إليك سيدي و مولاي… و أبرأ من أعدائك و أعداء آل بيتك، لقد عظمت الرزية و عظمت المصيبة بك علينا و على جميع أهل الإسلام يا مولاي أبا عبد الله الحسين، و جلت و عظمت مصيبتك في السماوات على جميع أهل السماوات… أسأل الله العلي القدير أن يهبنا بحق الإمام الحسين الشهيد عليه السلام، ثبات اليقين و محض الإخلاص و شرف التوحيد و معدن الصبر و دوام الإستقامة و الرضا بالقضاء و القدر…

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل