الآية الكريمة فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ تعني- كما جاء في روايات عديدة- نصب أمير المؤمنين علي بالخلافة بعد الانتهاء من أمر الرسالة (كمصداق من المفهوم العام للآية).
«الآلوسي» في «روح المعاني» بعد أن ينقل عن بعض «الإمامية» هذا التّفسير يقول: هؤلاء قرءوا «فانصب» بكسر الصاد. وهب أن قراءتها كذلك فلا تنهض أنّ تكون دليلا علی نصب علي بن أبي طالب. ثمّ ينقل عن الزمخشري في الكشّاف قوله: لو أمكن للشيعة مثل هذا التّفسير، فالنواصب (أعداء علي) يمكنهم أن يفسّروا الآية علی أنّها أمر بالنصب (ببغض علي)([1]).
تری هل أنّ الشيعة بحاجة إلی تغيير قراءة الآية كي يستدلوا بها علی ولاية علي؟! لا طبعا، بل هذه القراءة المعروفة تكفي للتفسير المذكور. لأنّها تقول: إذا فرغت من مهمّة مثل مهمّة الرسالة فابدأ بمهمّة أخری كمهمّة الولاية، وهذا مقبول باعتباره أحد مصاديق. ونعلم أنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه وآله وسلّم- حسب حديث الغدير المعروف وأحاديث أخری منتشرة في الصحاح و المسانيد- كان في سعي مستمر في هذا المجال.
ولكن المؤسف جدّا أنّ يدفع التعصب برجل عالم مثل «الزمخشري» لأنّ يجيز لنفسه القول أنّ النواصب يمكنهم أن يفسّروا الآية أيضا علی أنّها أمر ببغض علي!! أي تعبير ركيك هذا في حق شخص يؤمن به الزمخشري علی أنّه الخليفة الرابع للمسلمين! حقّا إنّ مزالق التعصب سيئة!
العالم المعتزلي المعروف «ابن أبي الحديد» يروي في «شرح نهج البلاغة» عن «الزبير بن بكار» وهو رجل- كما يقول ابن أبي الحديد- غير شيعي وغير خصم لمعاوية، بل فارق عليّا والتحق بمعارضيه- والزبير هنا يروي عن ابن «المغيرة بن شعبة» يقول: دخلت مع أبي علی معاوية، فكان أبي يأتيه، فيتحدث معه، ثمّ ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يری منه، إذ جاء ذات ليلة، فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتمّا فانتظر ساعة، وظننت أنّه لأمر حدث فينا، فقلت: ما لي أراك مغتمّا منذ الليلة؟ فقال: يا بني، جئت من عند أكفر النّاس وأخبثهم، قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له (لمعاوية) وقد خلوت به: إنّك قد بلغت سنايا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا فإنّك قد كبرت، ولو نظرت إلی إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فواللّه ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإنّ ذلك ممّا يبقی لك ذكره وثوابه، فقال: هيهات هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم (أبو بكر) فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتی هلك ذكره؛ إلّا أن يقول قائل: أبو بكر؛ ثمّ ملك أخو عديّ، فاجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتی هلك ذكره؛ إلّا أن يقول قائل: عمر؛ وإنّ ابن أبي كبشة (رسول اللّه صلّی اللّه عليه وآله وسلّم) ليصاح به كلّ يوم خمس مرات: «أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه»، فأيّ عمل يبقی؛ وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك! لا واللّه دفنا دفنا»([2]).
لو أمعنا النظر في هذه الرّواية لعلمنا مدی المأساة التي حلّت بالمسلمين حتی تولی أمرهم البيت الأموي… وإنّا للّه وإنّا اليه راجعون.
إلهي! خلصنا من حبّ الذات، واغمر قلوبنا بحبّك.
با ربّ! لقد وعدت باليسر حين يشتد العسر… فيسّر علی المسلمين وهم يعانون مؤامرات الأعداء ودسائس الطامعين يا اللّه! زد نعمك علينا ووفقنا لأن نكون من الشاكرين.
تفسير النور، سماحة الشيخ محسن قراءتي – بتصرّف
([1]) روح المعاني، ج ٣٠، ص ١٧٢؛ تفسير الكشاف، ج ٤، ص ٧٧٢.
([2]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج ٥، ص ١٢٩.