في السیرة النبي الأعظم
لاشك أن أخلاق النبي (ص) في دعوته مستمدة من التأديب الرباني العظيم ومن منهج السماء حيث أنه أخلاقه الكريمة ملئت الكون بأسره وثبتت جذور قاعدة الحسن والسلوك الأخلاقي الرفيع في العالم ولا عجب في ذلك لأن الله تبارك وتعالى وصفه بهذا الوصف النبيل وقال: ((وإنك لعلى خلق عظيم ومن حيث القدوة الصالحة الحسنة قال تعالى: ولكم في رسول الله أسوة حسنة).. فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو القدوة الحسنة للبشرية كلها في كل شيء في العبادات والمعاملات والتضحيات وفي كل جوانب مناحي الكمال الإنساني والأخلاقي والإجتماعي والنفسي والسياسي والعقائدي والتربوي …
وفيما يلي نستعرض أهم أساليب دعوة النبي الأعظم(ص) في نشر رسالته حيث تميزت بأهم الأساليب الرائعة التي تدل على وعيه وحنكته وإرادته القوية وأخلاقه العظيمة، والتي منها :
۱) الحكمة والموعظة الحسنة :
حيث كان البارز في دعوته أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، فقد واجه النبي كثيراً من الجدال والنقاش والتحدي ومع كل ذلك كان يواجه ذلك بحكمة وموعظة حسنة وكان هدفه من ذلك إنقاذ ذلك المجتمع الجاهلي بشتى الطرق والأساليب {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (۱۲۵) سورة النحل
۲) القول الحسن :
كانت دعوة الرسول (ص) مشفوعة بالقول الحسن الذي لا يثير عاطفة ولا يخدش كرامة أحد، وقد أدبه الله تعالى بذلك كما قال هو : ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) ووضع الله له ذلك المنهج حيث قال تعالى : {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (الإسراء:۵۳). وقال تعالى : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } (البقرة:۸۳).
إن مما ساعد النبي في نشر دعوته قوله الحسن والمؤدب حيث لم يعهد عن النبي أي قول غير حسن سواءً قبل بعثته أو بعدها ، فكان ذلك عاملاً مساعداً على نجاح دعوته ومدعاة لتآلف قلوب الناس له وحوله .
۳) اللين والتسامح :
لقد اعتمد النبي (ص) في نشر دعوته وتبليغه على اللين والتسامح والابتعاد عن أساليب الغلظة والشدة والصرامة كما هو حال بعض من يدعي الإسلام وأحقيته بنشره ، وقد علمه الله تعالى وأرشده إلى هذا الخلق الرفيع، قال تعالى : {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}. لقد كان النبي (ص) المصداق الحقيقي لسمو الأخلاق ومحاسن الآداب، ولقد كان رسول الأخلاق يدعو إلى اللين والتسامح في المعاملة، وإليك بعض ما قاله :
۱- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله : (الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ كَالْجَمَلِ الْأَنُوفِ إِنِ اسْتَنَخْتَهُ أَنَاخَ).
۲- روى أَبُو الْقَاسِمِ الْكُوفِيُّ فِي كِتَابِ الْأَخْلَاقِ، أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ قَالَ لِبَعْضِ الْمَلَائِكَةِ : عَلِّمْنِي شَيْئاً أَزْدَادُ بِهِ إِيمَاناً فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ لَا تَهْتَمَّ لِغَدٍ وَاعْمَلْ فِي الْيَوْمِ لِغَدٍ … إِلَى أَنْ قَالَ وَكُنْ سَهْلًا لَيِّناً لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا تَسْلُكْ سَبِيلَ الْجَبَّارِ الْعَنِيدِ .
۳- روى الطَّبْرِسِيُّ فِي الْمِشْكَاةِ، نَقْلاً مِنَ الْمَحَاسِنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ كُلَّ سَهْلٍ طَلْقٍ).
۴- روى الْحَسَنُ بْنُ فَضْلٍ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلاقِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: يَا ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَيْكَ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَكُنْ سَهْلًا لَيِّناً عَفِيفاً مُسْلِماً .. الْخَبَرَ[۱].
۴) الدفع بالتي هي أحسن :
لقد ركز النبي (ص) في دعوته على الإحسان للآخرين الذين كان يعاني من أذيتهم وقسوتهم عملاً بقوله تعالى : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت:۳۴).
ولنا في قصته مع الرجل الذي كان يرمي القاذورات على باب داره مثالاً رائعاً في الإحسان حيث أنه في يومٍ مرضَ ذلك الرجل فلم يجد النبي تلك القاذورات اليومية على بابه وعندما علم النبي (ص) بذلك زاره في مرضه ونتيجة لذلك أسلم ذلك الرجل . وقد استطاع النبي (ص) بهذا الخلق الرفيع أن ينشر كلمة التوحيد ويغير من طباع الناس ، ويقاوم الأحداث الرهيبة التي أحاطت به .
۵) الصبر :
لقد قابل رسول الأخلاق (ص) كل أنواع الأذى بصبر عظيم وثبات هائل ، إيماناً منه بدعوته ، وحرصاً على تبليغ رسالته ، فقد أمره الله تعالى به حيث قال : – {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } (الأحقاف:۳۵) – {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} (يونس:۱۰۹)
————–
(۱) مستدرك الوسائل ج : ۸ ص : ۴۵۲٫
الكاتب: الشيخ مكي فاضل حسن