Search
Close this search box.

القضاء والقدر(1)

القضاء والقدر(1)

في العدل في أصول الدین

المبحث الأوّل: خصائص مسألة القضاء والقدر

1- إنّ مسألة القضاء والقدر لا تختص بالدين الإسلامي دون بقية الأديان السماوية ، بل هي مسألة لها جذور زمنية ممتدة وتوغّل عميق في الفكر الديني والإنساني .

2- إنّ مسألة القضاء والقدر كانت ولا تزال من أعقد المسائل الكلامية التي شاع النزاع حولها في الأوساط الإسلامية ، وقد تشعّبت فيها الآراء واختلفت مناهج تناولها من قبل الباحثين .

3- لقد أخذت هذه المسألة حيّزاً هاماً في بحوث ودراسات مفكري الإسلام ، وشغلت الكثير من رجال الدين نتيجة تأثيرها البالغ في أوساط الحياة الاجتماعية .

4- لا تزال مسألة القضاء والقدر ـ رغم البحوث المكثّفة والمعمّقة التي أُجريت حولها ـ مسألة تكتنف بنيانها النظري العديد من الملابسات والنقاط الغامضة .

5- إنّ الفهم الخاطئ لمعنى القضاء والقدر ، وتصوّر البعض بأ نّها مرادفة للجبر ، هو السبب الذي أدّى إلى تشويه هذين المفهومين .

6- إنّ الإشكالية الأساسية التي تكمن في مسألة القضاء والقدر ، تعودإلى الالتباس الناشئ عن تصوّر التعارض بين الاختيار والإيمان بالقضاء والقدر

7- إنّ مسألة القضاء والقدر ليست مجرّد فكرة نظرية فحسب، بل لها تأثير مباشر على الواقع الاجتماعي ، ولهذا ينبغي تصحيح أفكار المجتمع إزاء هذه المسألة، لئلا يترك الفهم الخاطئ لها أثراً سلبياً في الصعيد الاجتماعي .

8- تعتبر مسألة القضاء والقدر ـ نتيجة خطأ البعض في فهم معناها الصحيح ـ من

الصفحة 142

أهم العوامل الفكرية التي تُطرح على طاولة البحث عند دراسة أسباب التخلّف والركود والانحطاط الفردي والاجتماعي .

9- لقد وجّه أعداء الإسلام سهامهم وضرباتهم العنيفة نحو مسألة القضاء والقدر للإطاحة بالإسلام ، وعلّلوا فشل المسلمين بها ، وقالوا بأنّ هذه المسألة هي التي بسببها اتّجه المسلمون نحو الكسل انتظاراً لما يأتيهم من الغيب !

10- إنّ مسألة القضاء والقدر لها صلة وثيقة بمسألة الجبر والاختيار ، لأنّ هذه المسألة قائمة على نفس الأُسس التي تقوم عليها مسألة الجبر والاختيار .

الصفحة 143
المبحث الثاني: النهي عن الخوض في القضاء والقدر وأسباب ذلك
النهي عن الخوض في القضاء والقدر :

1- قال الإمام علي(عليه السلام) لمن سأله عن القضاء والقدر: ” … بحر عميق فلا تلجه .. طريق مظلم فلا تَسلُكه … سرُّ اللّه فلا تكلّفه …”(1) .

2- قال الإمام علي(عليه السلام) بعد أن قيل له: أنبئنا عن القدر: “سرّ اللّه فلا تفتّشوه”(2) .

3- قال الإمام علي(عليه السلام) في القدر: “ألا إنّ القدر سرّ من أسرار اللّه ، وحرز من حرز اللّه ، مرفوع في حجاب اللّه ، مطوي عن خلق اللّه ، مختوم بخاتم اللّه ، سابق في علم اللّه ، وضع اللّه عن العباد علمه ورفعه فوق شهاداتهم …”(3) .

4- قال الإمام علي(عليه السلام) لقوم رآهم يخوضون في أمر القدر وغيره في بعض المساجد وقد ارتفعت أصواتهم:

“يا معاشر المتكلّمين ألم تعلموا أنّ للّه عباداً قد أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم، وأ نّهم هم الفصحاء البلغاء الألباء …”(4) .
أسباب النهي عن الخوض في القضاء والقدر :
الرأي الأوّل :

إنّ هذا النهي خاص بضعيفي العلم الذين يفسدهم الخوض في القضاء والقدر ،

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 60: باب القضاء والقدر و … ، ح3، ص355 .

2- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج5، كتاب العدل والمعاد، باب 3: القضاء والقدر و… ، ج70، ص123.

3- المصدر السابق: ح23 ، ص97 .

4- المصدر السابق: ج3 ، كتاب التوحيد، باب9، ح30، ص265.

الصفحة 144

وليس هذا النهي عاماً لكافة المكلّفين(1).
سبب النهي :

إنّ الخوض في هذه المسألة يثير في نفوس ضعيفي العلم جملة من الشبهات التي تؤدّي بهم إلى التيه والانحراف والوقوع في أودية الضلال .

توضيح ذلك :

1- تعتبر مسألة القضاء والقدر من المسائل الشائكة التي يحيطها الغموض النظري ، ولها من الألغاز ما لا يمكن حلّها بسهولة، ولهذا ينبغي لذوي المستويات العلمية الضعيفة أن يحذروا من التعمّق فيها خشية الوقوع والتورّط في بعض المنزلقات الفكرية .

2- إنّ تحذير النصوص الروائية من الخوض في غمار مبحث القضاء والقدر يعود إلى العمق الذي ينطوي عليه هذا المبحث ، وهو الأمر الذي يملي على الإنسان عدم الخوض في هذا المبحث إلاّ بعد التسلّح بأقصى حالة من الدقّة والحذر عند دراسة هذا البحث .

3- إنّ مسألة القضاء والقدر فيها الكثير من دقائق الأُمور ، فمن استطاع فهمها بصورة لائقة فبها ونعمت ، وإلاّ فيجب على الإنسان في هذه الحالة أن يترك التكلُّف في فهمها والتدقيق فيها ليصون نفسه من الوقوع في فساد العقيدة .

4- إنّ الذي يجد نفسه في مأمن من الوقوع في المحذور، فلا إشكال في عدم شمول النهي الوارد في الأخبار له ، لأ نّه يستطيع الخوض في هذا المبحث ليتمكّن من الوصول إلى معرفة الحقّ، ومن ثمّ المبادرة إلى تعليم غيره والرد على من أراد الطعن بعقيدة الإسلام .
الرأي الثاني :

إنّ النهي عن الكلام في القضاء والقدر ناظر إلى “النهي عن الكلام فيما خلق اللّه

____________

1- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد : مبحث تفسير أخبار القضاء والقدر ، ص57 .

الصفحة 145

تعالى، وعن علله وأسبابه وعما أمر به وتعبّد ، وعن القول في علل ذلك إذا كان طلب علل الخلق والأمر محظوراً، لأنّ اللّه تعالى سترها عن أكثر خلقه”(1).

بعبارة أُخرى :

إنّ المقصود من النهي عن الخوض في القضاء والقدر هو النهي عن الخوض لمعرفة الأسرار والعلل الغيبية المرتبطة بالخلق والتشريع الإلهي .
سبب النهي :

إنّ العقول مهما بلغت في نضجها وإدراكها فهي عاجزة عن إدراك الأبعاد الغيبية المرتبطة بشؤون الخلق والتشريع، ولهذا يؤدّي تكلّفها في هذا المجال إلى ازدياد حيرتها بحيث يدفعها ذلك إلى التيه والانحراف .

النتيجة :

ينبغي للعباد أن يكتفوا بما جاء في الشريعة الإلهية حول علل الخلق وحكمة التشريع، وأن يقتصر تفكيرهم في هذا المجال على الحدود التي بيّنها اللّه تعالى لهم .
الرأي الثالث :

إنّ النهي والتحذير ناظر إلى التفتيش عن المقدّرات، واتّباع السبل غير المشروعة من قبيل “الكهانة” و”تحضير الأرواح” و”الاتّصال بالجن” من أجل اكتشاف ما ستره اللّه على عباده من قضائه وقدره(2).

بعبارة أُخرى :

إنّ المقصود من النهي عن الخوض في القضاء والقدر لا يعني النهي عن البحث حول حقيقة معناهما، بل يعني ذلك المبادرة العملية عن طريق السبل غير المشروعة إلى اكتشاف ما سيكون في المستقبل من أُمور تتحقق بقضاء اللّه تعالى وقدره .

____________

1- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: مبحث تفسير اخبار القضاء والقدر ص57 .

2- راجع : بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج5 ، كتاب العدل والمعاد ، باب 3 ، ح23، ص97 .

الصفحة 146
سبب النهي :

أوّلا ـ تكلّف الاطلاع على ما ستره اللّه تعالى، يعني التجسّس في الحريم الإلهي، وهو أمر محرّم ولا ينبغي الخوض فيه .

ثانياً ـ إنّ هذا الطريق كما وصفه الإمام علي (عليه السلام)(1):

1 ـ سرّ من أسرار اللّه .

2 ـ ستر من ستر اللّه .

3 ـ حرز من حرز اللّه .

4 ـ مرفوع في حجاب اللّه .

5 ـ مطوي عن خلق اللّه .

6 ـ مختوم بخاتم اللّه .

7 ـ سابق في علم اللّه .

8 ـ وضع اللّه عن العباد علمه .

9 ـ بحر زاخر موّاج خالص للّه تعالى .

10 ـ عمقه ما بين السماء والأرض .

11 ـ عرضه ما بين المشرق والمغرب .

12 ـ أسود كالليل الدامس .

13 ـ كثير الحيّات والحيتان .

14 ـ يعلو مرّة ويسفل أُخرى .

15 ـ في قعره شمس تضيئ .

ثمّ قال (عليه السلام): “لا ينبغي أن يطّلع عليها إلاّ الواحد الفرد ، فمن تطلّع عليها فقد ضادّ اللّه في حكمه ، ونازعه في سلطانه ، وكشف عن سرّه وستره وباء بغضب من اللّه ، ومأواه جهنم وبئس المصير” (2) .

____________

1- انظر: الاعتقادات، الشيخ الصدوق: ب7، ص15 ـ 16 .

2- الاعتقادات، الشيخ الصدوق: ب7، ص15 ـ 16 .

الصفحة 147

الصفحة 148
المبحث الثالث: معنى القضاء والقدر (في اللغة)
معنى القضاء (في اللغة) :

القضاء هو فصل الأمر(1)، سواء كان هذا “الأمر” قولا أو فعلا، وكلّ واحد منهما على وجهين: إلهي وبشري ، ومثال ذلك(2) :

1 ـ القول الإلهي: { وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ } [ الإسراء: 23 ]

أي: أمر ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه .

2 ـ الفعل الإلهي: { فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماوات فِي يَوْمَيْنِ } [ فصّلت: 12 ]

أي: خلقهن اللّه تعالى وأوجدهن سبع سماوات في يومين .

3 ـ القول البشري: من قبيل قضاء الحاكم ، لأنّ حكمه يكون بالقول .

4 ـ الفعل البشري: { فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّهَ } [ البقرة: 200 ]

أي: فإذا أدّيتموا مناسككم، فاذكروا اللّه تعالى .
معنى القدر (في اللغة) :

القدر هو كمية الشيء ، وتقدير اللّه تعالى للأشياء عبارة عن جعلها على مقدار ووجه مخصوص حسب حكمته عزّ وجلّ(3).
أنواع التقديرات الإلهية :

1 ـ تقدير الخلق:

قال تعالى: { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [ الفرقان: 2 ]

____________

1- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (قضى) .

2- انظر: المفردات في غريب القرآن ، الراغب الأصفهاني: مادة (قضي) .

3- انظر: المفردات في غريب القرآن ، الراغب الأصفهاني: مادة (قدر) .

الصفحة 149

أي: إنّ اللّه تعالى قدّر كلّ ما أراد خلقه .

2 ـ تقدير الكم والكيف :

قال تعالى: { وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَر مَعْلُوم }[ الحجر: 21 ]

أي: إنّ اللّه تعالى لا ينزّل من خزائنه شيئاً على خلقه إلاّ بعد تحديد قدر ذلك الشيء كماً وكيفاً .

وقال تعالى: { وَكُلُّ شَيْء عِنْدَهُ بِمِقْدار } [ الرعد: 8 ]

أي: لا يكون شيء عند اللّه تعالى إلاّ محدّداً بمقدار معيّن من ناحية الكمية والكيفية .

3 ـ تقدير الماهية والخاصية :

قال تعالى: { وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }[ فصّلت: 12 ]

أي: إنّ اللّه تعالى جعل السماء الدنيا على مقدار ووجه مخصوص من التزيّن بالمصابيح و …

وقال تعالى: { إِنّا كُلَّ شَيْء خَلَقْناهُ بِقَدَر } [ القمر: 49 ]

أي: إنّ اللّه تعالى خلق كلّ شيء وفق قدر معيّن وعلى وجه مخصوص .

4 ـ تقدير الزمان والأجل :

قال تعالى: { وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف: 34 ]

أي: إنّ اللّه تعالى جعل لكلّ أُمّة غايةً معيّنة فى الزمان بحيث إذا جاء أجلهم فإنّهم لا يسعهم أن يؤخّروا الأجل .

وقال تعالى: { أَ لَمْ نَخْلُقْكُّمْ مِنْ ماء مَهِين * فَجَعَلْناهُ فِي قَرار مَكِين * إلى قَدَر مَعْلُوم}[المرسلات: 20 ـ 22 ]

أي: إلى زمان محدّد ومعلوم .

وقال تعالى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ

الصفحة 150

الْعَلِيمِ }[ يس: 38 ]

أي: إنّ الشمس تجري وفق قدر زماني معيّن حدّده اللّه تعالى لها .

الصفحة 151
المبحث الرابع: معنى القضاء والقدر (في الاصطلاح العقائدي)
الرأي الأوّل :

القضاء والقدر عبارة عن كتابة اللّه تعالى كلّ ما سيجري في الكون بتمام خصوصياته وقدره في اللوح المحفوظ، والتي منها كتابته عزّ وجلّ ما سيجري على العباد وإخبار الملائكة بذلك .
أقوال العلماء المؤيدين لهذا الرأي :

1- الشيخ الصدوق: “يجوز أن يقال: إنّ الأشياء كلّها بقضاء اللّه وقدره تبارك وتعالى بمعنى أنّ اللّه عزّ وجلّ قد علمها وعلم مقاديرها”(1).

2- المحقّق الطوسي: “والقضاء والقدر إن أُريد بهما خلق الفعل لزم المحال .. والإعلام [ أي: وإن اُريد بهما الإعلام والإخبار ] صحّ مطلقاً”(2).

3- العلاّمة الحلّي: “أ نّه تعالى قضى أعمال العباد وقدّرها [ فإذا قلنا ] أ نّه تعالى بيّنها وكتبها وأعلم أنّهم سيفعلونها فهو صحيح ، لأ نّه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبيّنه لملائكته ..”(3).

خلاصة هذا الرأي :

القضاء والقدر ينقسم إلى قسمين :

1- القضاء والقدر العلمي: وهو علم اللّه الذاتي بما سيجري من أُمور في الخلق مع علمه تعالى بالحدود والمقادير المحيطة بها، والعلم بعلّتها التامة الموجبة لها .

2- القضاء والقدر الفعلي (العيني): وهو تسجيل اللّه لهذا العلم في لوح المحو

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 6، باب القضاء والقدر و… ، ذيل ح32، ص375 .

2- كشف المراد ، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث ، الفصل الثالث ، المسألة الثامنة، ص432 ـ 433 .

3- المصدر السابق: ص433 .

الصفحة 152

والإثبات ، وتدوين كلّ فعل مقدّر بالمقادير ومستند إلى علّته التامة الموجبه له .
الحكمة من كتابة المقادير وتدوينها :

إنّ اللّه تعالى لا يحتاج إلى كتابة المقادير، وهو منزّه عن السهو والنسيان ، وإنّما المقادير تدوّن لكي تتلقاها الملائكة كأوامر، فتقوم بإنجاز الأعمال الموكّلة بها وتنفيذها بإذن اللّه، ومنه قوله تعالى: { فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } [ النازعات: 55 ] ، والمقصود من المدبرات كما ورد في التفاسير هي الملائكة التي تدبّر شؤون الخلق .
عمل الملائكة :

إنّ لكلّ حدث في هذا العالم ـ إضافة إلى العلل والأسباب المادية ـ علل وأسباب غيبية خافية علينا، بحيث لا يمكننا معرفتها بالحس ورصدها بالتجربة ، وتعتبر الملائكة من هذه الأسباب الغيبية حيث إنّها تقوم بمهمات خاصة في هذا العالم .
الرأي الثاني حول معنى القضاء القدر اصطلاحاً :

القضاء: إنّ القضاء الإلهي في أفعال العباد يعني أ نّه تعالى :

قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها .

وقضى في أفعالهم السيئة بالنهي عنها .

القدر: إنّ القدر الإلهي في أفعال العباد يعني أ نّه تعالى بيّن مقادير أوامره ونواهيه للعباد، ووضّح لهم تفاصيل هذه التكاليف(1).
أدلة هذا الرأي :

1- قال علي بن موسى الرضا(عليه السلام): ” … ما من فعل يفعله العباد من خير وشرّ إلاّ وللّه فيه قضاء” .

فسأله الراوي: فما معنى هذا القضاء؟

قال(عليه السلام): “الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا

____________

1- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: تفسير آيات القضاء والقدر ، ص56 .

الصفحة 153

والآخرة”(1) .

2- فسّر الإمام علي(عليه السلام) القضاء والقدر لمن سأله عنهما بأ نّهما الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية .

فلما سُئل (عليه السلام): فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟

قال(عليه السلام): “الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية ، والمعونة على القربة إليه ، والخذلان لمن عصاه ، والوعد والوعيد والترهيب . كلّ ذلك قضاء اللّه في أفعالنا وقدره لأعمالنا …”(2).

3- قال الإمام علي(عليه السلام) للشخص الذي فهم معنى الجبر من القضاء والقدر:

“ … لعلك ظننت قضاءً لازماً وقدراً حاتماً ! ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد . إنّ اللّه سبحانه أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً ، وكلّف يسيراً ولم يكلّف عسيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يطع مُكرِهاً، ولم يرسل الأنبياء لعِباً ، ولم ينزل الكتب للعباد عبثاً ، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا: { ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ } [ ص: 27 ] “(3) .
أقوال العلماء المؤيدين لهذا الرأي :

1- قال الشيخ الصدوق حول القضاء والقدر: “اعتقادنا في ذلك قول الصادق(عليه السلام)لزرارة حين سأله حول ما تقول ياسيدي في القضاء والقدر ؟ قال(عليه السلام): “أقول: إنّ اللّه تعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم(4) ولم يسألهم عما قضى عليهم”(5).

توضيح ذلك :

إذا جمع اللّه تعالى العباد يوم القيامة ، فإنّه لا يسألهم إلاّ عن أعمالهم التي عهد

____________

1- بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5 ، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل ، ب1، ح18، ص12 .

2- المصدر السابق: باب 3: القضاء والقدر … ، ح20 ، ص96 .

3- نهج البلاغة ، الشريف الرضي، باب المختار من حكم أمير المؤمنين، حكمة 78، ص666 .

4- أي: عمّا كلّفهم به .

انظر: نور البراهين ، نعمة اللّه الجزائري: ج2 ، باب 60: باب القضاء، ص312 هامش حديث 2 .

5- الاعتقادات ، الشيخ الصدوق، باب6: الاعتقاد في الارادة والمشيئة، ص10 .

إليهم ، فأمرهم بالحسن منها، ونهاهم عن القبيح منها(1).

2- قال الشيخ الصدوق: “يجوز أن يقال: إنّ الأشياء كلّها بقضاء اللّه وقدره تبارك وتعالى بمعنى … :

له عزّ وجلّ في جميعها حكم من خير أو شر .

فما كان من خير، فقد قضاه بمعنى أ نّه أمر به وحتمه وجعله حقاً، وعلم مبلغه ومقداره .

وما كان من شر فلم يأمر به ولم يرضه، ولكنه عزّ وجلّ قد قضاه وقدّره بمعنى أ نّه علمه بمقداره ومبلغه وحكم فيه بحكمه”(2).
الرأي الثالث حول معنى القضاء والقدر اصطلاحاً :

تفسير القضاء والقدر وفق نظام الأسباب ، وسنبيّن هذا التفسير بصورة مفصّلة في المبحث القادم .

____________

1- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد: تفسير أخبار القضاء والقدر ص59 .

2- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب60: باب القضاء والقدر و… ، ذيل ح32 ، ص375 .
المصدر: العدل عند مذهب أهل البيت(عليهم السلام) لمؤلّفه علاء الحسون

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل