المشاكل بين حق الزوجة وحق الوالدين
تعتبر المشكلة بين الزوجة وأهل الزوج من أكثر المشاكل شيوعا منذ قديم الزمان، وفي هذا المجال يقع الابن في مشكلة كبيرة فهو بين نارين إرضاء والديه الذي يعتبر إرضاء لله وإرضاء زوجته التي قد تقف حائلا دون قيام الزوج بواجباته تجاه أهله، إن اكتشاف طريقة يستطيع فيها الزوج التوفيق بين أهله وزوجته يعتبر امرا صعبا ذلك أنه في بعض الحالات يصل التنافر في الطباع حدا يستحيل معه التوفيق بين الطرفين، ومع ذلك يمكن للزوج أن يستكشف طريقة يعالج فيها المشكلة من دون أن يتخلى عنهما، وذلك يعتمد أساسا على قوة الشخصية التي يتمتع بها الزوج وقدرته على إقناع زوجته بضرورة التحمل حتى لا يسخط الله سبحانه وتعالى بإغضابه لوالديه، وهذا يحتاج الى حكمة وتعقل كبيرين.
يحصل بين الزوجين مشاكل كثيرة بسبب الأهل ويجمعها عناوين متعددة أهمها ما يلي:
أ- احتضان الزوج لأهله وعدم رضا الزوجة:
عندما يكبر الوالدان يحتاجان بشكل ضروري أن يكونا بجانب ابنهما خاصة في فرض مرضهما مرضا يحتاج الى رعاية دائمة ومكثفة، ويحاول الزوج إقناع زوجته بان ترضى بسكن أبويه معه ولكنها ترفض ذلك بشدة وقد يكون السبب إما لأنها كانت سابقا على خلاف معهم أو لانهما يتدخلان في شؤون البيت، أو لمجرد أنها تريد الاستقلال في بيتها من دون منازع أو شريك وفي بعض الأحيان تكون الزوجة محقة لجهة أن هذان الأبوان صعبا المراس وقد يكونان حتى سيئا الطباع إلا أن ذلك لا يمنع من محاولة التأقلم مع الموضوع حبا بزوجها لا كرامة لهما المهم أن الزوجة ترفض سكن والدي الزوج أو احدهما معها في البيت… للزوجة حق السكن المستقل الذي لا ينازعها فيه أحد فماذا يفعل الزوج هل يطرد والديه المحتاجين إليه من بيته ؟ أم هل يطلق زوجته ؟ أم هل يفرض عليها بالقوة قبول والديه في بيتها ؟ والحقيقة أن على الزوج أن يبحث عن الوسيلة المقنعة لزوجته كي تقبل بأهله ويبلغها أنه سيحفظ لها هذا الجميل طول حياته، فان أصرت على الرفض عليه في هذه الحالة البحث عن سكن ملاصق لداره واستئجاره لوالديه كي يكونا قريبين منه وتكليف خادمة تقيم معهما ترعى شؤونهما وبذلك يجمع بين الحقين حق الزوجة بالاستقلال وحق الاهل بالرعاية.
ولكن إذا ما كان الزوج لا يمتلك القدرة المالية التي تؤهله لتنفيذ الخيار فماذا يفعل ؟ إنه سيصل الى الخيارين اللذين يوصفان بأن أحلاهما مر ؟ وهما إما إن يترك أهله، أو أن يترك زوجته، وهنا لا مجال له إلا أن يختار أهله لأن الله سبحانه وتعالى دعا لتحصيل رضاهما ولم يدعونا لتحصيل رضا الزوجة فساعتئذ عليه أن يضعها بين خيارين: إما أن ترضى بأن يعيش والده معه، أو أن يضطر الى طلاقها مع أنه لا يرغب في ذلك ومع مرارة هذا القرار عليه فإن اختارت أن تترك البيت وتطلب الطلاق فساعتئذ تكون هي التي اختارت لا هو، وأيضا يكون قد استنفد كل وسائل الحل ولم يفلح فلا يلام. خاصة انه استنفد كل وسائل الإقناع معها وأصرت هي على موقفها.
إن وقوف الإنسان في موقف حدي بين أن يرضي أهله الذي به رضا الله سبحانه وتعالى وبين أن يغضبهما من أجل رضا زوجته هو موقف صعب إلا أن الإنسان المؤمن لن يجد نفسه متحرجا أبدا في اختيار رضا الله سبحانه وتعالى ورضا والديه حتى لو أغضب ذلك زوجته وأدى الأمر الى طلاقهما.
وهنا ألفت الى أمر مهم وهو أنه في كثير من الحالات من هذا النوع كان الزوج عندما ننصحه بهذه النصيحة مبينين له الحكم الشرعي ويقوم بتنفيذ الأمر فإن الذي كان يحصل هو أن الزوجة كانت تعود عن قرارها محافظة على زواجها وخاصة إذا كان لديهما أولادا.
ب- الخلافات بين الزوجة والأبوين:
من الخلافات التي تحصل أيضا أن تكون الزوجة على خلاف مع أحد أبوي الزوج، أو كليهما فينعكس ذلك سوء معاملة منها لهما، فيلجأ الأبوان الى ابنهما كي يكون حكما أو على الأقل ليكف لسان زوجته عنهما، فما الذي يحصل ؟
الأزواج في هذا المجال أنواع.
النوع الأول:
هو زوج ينقاد وراء زوجته فيعادي أبويه ويضع الحق عليهما من دون أية أدلة، بل حتى مع اقتناعه داخليا بأنهم على حق. وهذا النوع من الرجال لا إشكال في كونه مأثوما من الناحية الشرعية لأنه لا يجوز له في كل الأحوال حتى في فرض تصرف أبويه بطريقة خاطئة أن يعاقبهما أو يؤذيهما، بل إن تكليفه الشرعي أن يصاحبهما في الدنيا بالمعروف، وإذا وجد أنهما يؤذيان زوجته محاولة التوصل لدفع أذاهما لكن لا من خلال إيذائهما.
النوع الثاني:
هو زوج يضع الحق في ذلك على زوجته ويؤذيها وهو بذلك يريد إما أن يبرهن على أنه جيد مع أبويه فلا يتحقق من كونهما محقين فيما يدعيانه، وهذا النوع من الأزواج وإن كانت دوافعه خيرة إذ إنه يريد أن لا يؤذي والديه وأن تكون زوجته عاملا مساعدا له في تحملهما لأن تكليفه الشرعي الإحسان إليهما، غير أنه من الناحية الشرعية لا يجوز أن يكون هذا العنوان الجيد سببا لظلم زوجته وإيذائها وهي غير مخطئة. أو أنه تأكد فعلا أن زوجته على خطأ، فساعتئذ هو محق في محاسبتها لكن على أن لا يتجاوز الحد الشرعي في ذلك.
النوع الثالث:
هو زوج يحقق في الموضوع ويصل الى نتيجة يتعامل على أساسها، فإن كان الحق على زوجته عاقبها ووضع حدا لها، وإن كان على والديه فهنا نوعان من الأبناء:
– نوع يقوم بمحاسبة أهله ولعله يصل الى حد العقاب لهما، وهذا النوع مخطئ في تصرفه ومأثوم.
– نوع آخر يعتبر أنه لا يستطيع محاسبة والديه فيقوم بأسلوب حكيم بتقريب فكرة أنهما مخطئان لهما كي يبادرا إما لحل الموضوع، أو على الاقل للتخفيف من أذاهما لزوجته. وهذا النوع هو الذي يتصرف على الاسس الشرعية.
ج- منع الزوجة زوجها من الإنفاق على اهله:
في بعض الأحيان يكون الولد بارا بوالديه بغض النظر عن قيام إخوته بذلك أم لا، فيقوم بإعطاء أهله كل ما يحتاجون إليه من مال لأن إخوته لا يقدمون شيئا مع قدرتهم على ذلك، وتتدخل الزوجة هنا لتقول له: فلينفق إخوتك لماذا أنت الذي تنفق دائما ؟ ولماذا لا تنقطع عن الدفع حتى يشعر إخوتك بأنهم مقصرون ؟ ولكن هذا الزوج المؤمن الشريف يرفض ذلك، مما يؤدي الى انعكاس الأمر على حياته الزوجية سلبا،وكثيرا ما كنا نرى ان هذا الزوج يضطر امام ضغط زوجته لان يقوم بالانفاق سرا على والديه خوفا من انزعاجها، وتاثير ذلك على حياتهما الاسرية، في حين اننا كنا نرى بعض الأزواج ينصاعون لزوجاتهم ويتركون الإنفاق على أبويهما ويصل الأمر الى التحاكم الشرعي.
من الناحية الشرعية يجب على الابن الإنفاق على والديه ولا يجوز له بسبب عدم قيام إخوته بذلك أن يمتنع هو عن أداء واجبه، فهذا تماما مشابه للذي يترك الصلاة لأنه لا أحد يصلي في محيطه مع قناعته بوجوبها.
وبالتالي حيث إن الأمر يتعلق بتكليف شرعي، وحيث إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق يجب عليه أن لا ينصاع مهما كانت النتائج لإرادة زوجته المحرمة، حتى لو أدى الأمر الى الانفصال إن لم يكن هناك تأثيرات سلبية لذلك، المهم يجب على الابن ان يلتفت الى أن رضا الله من رضا والديه.
* المؤلف: الشيخ حسان محمود عبد الله، الكتاب أو المصدر: مشاكل الأسرة بين الشرع والعرف، االصفحة: ص285-290