﴿قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾([1]).
إشارات:
- في هذه الآية والآيتين اللاحقتين تتمّ الإشارة إلی عدد من المبادئ والتعاليم المهمّة، والتي تعدّ من المشترکات التي تجتمع عليها کلّ الأديان السماوية. وقد ورد ما يشبه هذه التعاليم في التوراة في سفر الخروج الباب ٢٠.
- روي أنّ اثنين من زعماء المدينة جاءا إلی رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم، فلمّا تلا الرسول الکريم هذه الآيات أعلنا إسلامهما وطلبا منه أن يبعث معهما رجلاً داعياً يعلّم قومهما القرآن وشؤون الدين، فبعث النبي الکريم معهما مصعب بن عمير. ومنذ ذلک الحين أسّست قواعد الإسلام في المدينة وتغيّر وجه يثرب.
- يوصي القرآن الکريم في أربع آيات بالإحسان إلی الوالدين، وفي جميع هذه الآيات تقترن الوصيّة بمسألة التوحيد والنهي عن الشرک. ولمّا کانت هذه الآية تستعرض المحرّمات في الإسلام، فيکون، علی هذا الأساس، ترک الإحسان إلی الوالدين من المحرّمات([2]).
- التعاليم الخمسة المذکورة في هذه الآية متواشجة مع بعضها لدرجة أنّها تبدو وکأنّها تعليم واحد، «وَصَّاكُمْ بِهِ»؛ لاحظ أنّ الضمير “به” جاء في صيغة المفرد.
- سُئل الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن معنی الإحسان في قوله تعالی: «وبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» فقال: “الإحسان أن تُحسن صُحبتهما وأن لا تُکلّفهما أن يسألاک شيئاً ممّا يحتاجان إليه وإن کانا مستغنيين”([3]).
التعاليم:
١- إحدی مسؤوليات الأنبياء تبيين الأحکام الإلهية للناس، «أَتْلُ مَا حَرَّمَ».
٢- لمّا کان الأصل هو حليّة الأشياء، من هنا، فإنّ الأشياء المحرّمة فقط هي المذکورة، «أَتْلُ مَا حَرَّمَ».
٣- لم يحرّم الأنبياء شيئاً من عند أنفسهم، فالله تعالی هو الذي شرّع محرّمات الدين، «حَرَّمَ رَبُّكُمْ».
٤- تحريم المنکرات هو من أجل تکامل الإنسان وتربيته، «حَرَّمَ رَبُّكُمْ».
٥- لمّا کان الشرک أساس کلّ المفاسد، فقد ذکر علی رأس المحرّمات، «ألّا تُشْرِكُوا».
٦- التوحيد أوّلاً ثمّ الإحسان بالوالدين، «وبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا».
٧- تعاليم هذه الآية جاءت کلّها في صيغة النهي عدا الإحسان بالوالدين الذي جاء في صيغة الأمر، وهو لا يطلب عدم إيذائهما فحسب، بل الإحسان إليهما أيضاً، «وبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا».
٨- قتل الأبناء والإجهاض خيفة العيلة والفقر هو من عمل الجاهلية، الله تکفّل برزقهم، فلِمَ الخشية من الفقر «نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ»؟
٩- المطلوب إصلاحان، إصلاح المجتمع من المفاسد، وإصلاح الروح من الرذائل، «مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ».
١٠- بعض المعاصي خطيرة لدرجة أنّه ينبغي عدم الاقتراب منها، «ولَا تَقْرَبُوا».
١١- التعاليم الإلهية تنسجم مع العقل أو أنّها مقدّمة لتفتّقه، «لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ».
تفسير النور، سماحة الشيخ محسن قراءتي
([1]) الأنعام: 151
([2]) سورة البقرة، الآية ٨٣؛ سورة النساء، الآية ٣٦؛ سورة الأنعام، الآية ١٥١؛ سورة الإسراء، الآية ٢٣.
([3]) الکافي، ج ٢، ص ١٥٧؛ بحار الأنوار، ج ٧١، ص ٣٩.