إنّه لفخرٌ عظيمٌ أن يطالع الإنسان في حياته ذكريات عن الشهداء، والأهم أن نلتمس من هؤلاء الشهداء نوراً يبقينا على اتصال دائم بمسيرة الشهادة التي سطّرها الإمام الحسين عليه السلام…
يضطلع هذا الكتاب الموسوم “اُنظر إلى السماء” بتقديم باقة من ذكريات السيّد القائد الخامنئي دام ظله حول الشهداء.
والميزة العميقة لهذه الذكريات تكمن في التجربة الشخصيّة للسيّد القائد مع تلك الثلّة الطاهرة، فكان حيث كانوا على الجبهات، وخلف المنابر، وفي قاعات العمل السياسيّ والتربويّ، وفي مجالس الدفاع. كان معهم كأحدهم، يخبُر أسرار توفيقاتهم الإلهيّة، ويُطالع نور الشهادة في وجوههم.
شهداء المواجهات الثورية
– الشهيد “نوّاب صفوي”
لقد اِكْتنزت فترة المواجهات الثوريّة أعلاماً جهاديّة مضيئة، خَبِرها السيّد القائد على الجبهات، وعرف كُنْهها الحقيقيّ من موقعه المتقدّم في ميادين الثورة حيث ذكر السيّد القائد الشهيد “نوّاب صفوي” الذي انجذب إليه السيّد بكلّ وجوده، وأشعل في كيانه أوّل شرارة تحفيزيّة، نافذًا بالثورة إلى أعماقه(1). لقد بدأ هذا الشهيد العظيم أوّل حركة مواجهة سياسيّة مع النظام من خلال تحفيز الناس، وحثّهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
– الشهيد السيّد مصطفى الخمينيّ (رضوان الله عليه)
إنّ النماذج الجهاديّة الثوريّة تختزن خصوصيّات جوهريّة ومزايا عجيبة. فهم أهل الروحانيّات والعبادات والتميّز، كالشهيد السيد مصطفى الخمينيّ الذي يليق به أن يكون ابناً للإمام قدس سره.
– الشهيد مرتضى مطهّري قدس سره
أمّا الشهيد مرتضى مطهّري قدس سره فكان النموذج المتميّز للشخصيّة العلمائية التي تحاكي زمانها وتنجز العمل في المكان المناسب. لقد كان أحد أركان المعارضة والجهاد، ومن القلّة التي حازت ثقة الإمام الخميني قدس سره(2). فعمله الأيديولوجي العقائدي ساهم في بلورة خط الثورة. هذا العمل العقائدي، كما ذكر السيّد القائد دام ظله، كان أحد العناصر الأساسيّة التي شيّدت أُسس وقواعد البناء الإسلاميّ الأصيل. لذلك، يعتبر القائد نفسه أحد تلاميذه.
– الشهيد بهشتي (رضوان الله عليه)
من الشخصيّات الثوريّة التي أكثر السيّد القائد الحديث عن مزاياها، الشهيد الدكتور بهشتي، “السند” بما يمتلك من نظر ثاقب وفكر عميق مضافاً إلى مؤهّلاته العلميّة المتميّزة. لقد أخبر السيّد القائد عن صعوبة توصيف أبعاده الوجوديّة؛ لأنّه رجل ذُهل عن نفسه وعرج بروحه وهويّته إلى العرش الأعلى(3). إنّ هذه الشخصيّة التي لم تتأثّر روحيّتها بالسلطة، كانت مثاراً لإعجاب القائد. لذلك، حثّ سماحته على التحلّي بميزاته للحصول على التوفيق. ورغم حلاوة التوفيق الإلهيّ للشهادة في سبيله، إلّا أن خبر استشهاده كان قاسياً على القائد، لأنّ بهشتي عانى من الغيبوبة وخضع لعمليات عدة نتيجة الانفجار الذي أدى إلى استشهاده(4).
– الشهيدان رجائي وباهنر
خلال فترة وجوده في السجن عام 1974م، تعرّف السيد القائد على “الشهيد رجائي” الذي بقي في السجن الانفرادي نحو 23 شهراً. لقد أسّس الشهيد رجائي للإصلاحات التعليميّة منذ بداية الثورة، وكان يتصدّى لبني صدر بكلّ هدوء في مجلس الدفاع الأعلى، وكان متميّزًا في زهده ورغبته في شظف العيش. ذكر السيّد القائد دام ظله شعوره بالخسارة لفَقد صديقيْه، الشهيد رجائي والشهيد باهنر الذي أنجز العمل الأكبر في تنظيم الوثيقة التأسيسيّة لحزب الجمهوريّة(5).
الدموع تجري من عينيه
هي دموع الشهيد “مدني” وقلبه النوراني الذي قلَب أعقاب المجلس(6) ذات يوم. كان لديه كلّ مقومات الجذب واجتمع في شخصه الطاهر نور المعرفة وقوّة التبيان وشجاعة قول الحقّ. فوقف كالجبل في وجه النظام في إيران وصرّح بأعلميّة الإمام قدس سره من النجف.
شهداء محراب الثورة
أشار السيّد القائد دام ظله إلى العديد من الشهداء العلماء الذين امتلكوا العزم الراسخ الثوريّ، كالشهيد “عبد الحسين دستغيب” الناطق الرسمي باسم العلماء والشهيد محمّد صدوقي، أحد أجنحة الإمام الخميني قدس سره. كما تحدّث القائد عن ذكرياتهِ حول الشهيد “محمّد أشرفي أصفهانيّ” الذي لم يَرَ له نظيراً بين العلماء، لجهة عدم إحساسه بالتعب. ورغم كونه شخصيّة علمائيّة كبيرة وله موقعيّته عند الإمام الخميني قدس سره، لكنّه شخصيّة متواضعة ومثال ممتاز لعالم الدين.
عوائل الشهداء
إنّ صبر عوائل الشهداء ورباطة جأشهم المثير للعجب وعظَمة عطاياهم في سبيل الإسلام، جعلت اللّطف الإلهيّ يشمل الأمة. وهذا هو الجوهر النوراني اللّامع الذي أودعه الله في قلب الشهادة، وجعله يضيء في قلوب الآباء والأمّهات. يذكر السيّد القائددام ظله بعض المشاهد المُعبّرة لهؤلاء الثلّة الطاهرة، كتلك السيّدة الجليلة التي أبلغته رسالة للإمام الخمينيّ قدس سره بجهوزيّتها لتقديم أبنائها كافّة على هذا الطريق، وذاك الذي قبّل نحر ولده الشهيد ولم يتأوّه. لقد ربط الله على قلوبهم وباتوا أساطير في الصلابة(7).
شهداء الدفاع المقدس
تختزن وصايا الشهداء في كلماتها النورانيّة معجزة عظيمة. ففيها، كما يخبر السيّد القائد، نتلمّس مقاماتهم العرفانيّة التي طووها بشهادتهم. هذه المقامات تتوضّح حينما يخبر القائد عن أحاديث الشهداء، كالذي قال لرفيقه: “اُنظر إلى السماء. إنّ الآيات القرآنيّة المكتوبة في السماء تُخبر عن انتصاراتنا”(8). هذه هي الروحيّة التي يحملها الشباب المقاوم من خلال ارتباطهم العميق بالله وفضائلهم الإنسانيّة المتجلّية، كما لمسها السيد القائد.
في زمن الحرب المفروضة سطع نجم شباب التعبئة، أولئك الشباب الذين تركوا الأهواء وصاروا مظاهر للعشق والإيثار وكان حضورهم مؤثّراً وفعالاً في الحرب.
كلمات حول شهداء النهضة
إنّ الخصوصيّات النورانيّة تتجلى في شهداء العالم الإسلاميّ، وهي خصوصيّات تجوهرت بفضل الله بخاتمة الشهادة، فاجتمعت في شخصيّة السيد عباس الموسويّ خصوصيّات رائعة، كالدين والتقوى والصلابة مع الذكاء والشجاعة، وكانت شهادته أحسن خاتمة(9)، كما قال السيد القائد. أما الحاج رضوان فهو ابن الإمام الخمينيّ بحقّ. لقد منحه الإمام قدس سره الروح والحياة، فتوكّل على الله مع رفاقه، الذين يفتخر بهم السيد القائد(10)، واستطاعوا هزيمة “إسرائيل”.
من شهداء النهضة الإسلاميّة الذي شكّل استشهاده ضربة قويّة، كما ذكر السيد القائد، السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره. فقد كان عموداً فكريّاً للنظام الإسلاميّ، ونابغةً بكلّ ما للكلمة من معنى(11). كما كانت أخته الشهيدة بنت الهدى عظيمةً في حركتها النسائيّة المتكاملة مع الحركة الرجاليّة، وهاتان الحركتان، كما يقول السيد القائد، تحكيان عظمة وشخصيّة الإنسان وذاته المضيئة(12).
أفخر الكتب
إنّه لفخرٌ عظيمٌ أن يطالع الإنسان في حياته ذكريات عن الشهداء، والأهم أن نلتمس من هؤلاء الشهداء نوراً يبقينا على اتصال دائم بمسيرة الشهادة التي سطّرها الإمام الحسين عليه السلام. فهؤلاء الشهداء عشقوا الإمام الحسين عليه السلام، وعرفوه في صدورهم، واستمدّوا من الله وحبله المتصل بين السماء والأرض قوّة التوكّل وصبر المتّقين. لذا، فلنقرأ وصاياهم وأحاديثهم ولنفقه سيرتهم، ولننظر إلى السماء فإنّ بشائر النصر قد لاحت.
الهوامش:
(*)اُنظر إلى السماء (ذكريات الإمام الخامنئيّ دام ظله حول الشهداء)، إعداد هادي شيرازي. ترجمة: مركز المعارف للترجمة، ط1، بيروت، دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة 2018م.
1-الكتاب “انظر إلى السماء”، ص21.
2-(م.ن)، ص41.
3-(م.ن)، ص65.
4-(م.ن)، ص81-83 الانفجار في مقر حزب الجمهورية الإسلاميّة الذي أسسه السيد القائد مع عدد من العلماء، وقد أدى تفجير المنافقين للمقر (عام 1981م) إلى سقوط 72 شهيداً من بينهم الشهيد بهشتي ومحمد منتظري.
5-(م.ن)، ص108.
6-(م.ن)، ص130؛ كانت أوّل ندوة لأئمّة الجمعة في قم شارك فيها كبار العلماء من السنّة والشيعة.
7-(م.ن)، ص156.
8-(م.ن)، ص161.
9-(م.ن)، ص278.
10-م.ن، ص282، يقول السيّد القائد في رسالته لزوجة الشهيد صلاح غندور: “أنا لست أفتخر به وبأمثاله فقط، الذين يُعدّون كواكب مضيئة وساطعة في تاريخنا، بل إنّي أباهي بكم أنتم عوائل الشهداء…”.
11-(م.ن)، ص283-284.
12-(م.ن)، ص279.