قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيل﴾[1].
خلق الله تعالى الإنسان بقوىً أربع هي الشهوة والغضب والوهم والعقل[2]. وأراد عزَّ وجل أن يكون العقل هو سلطان القوى، لأنّ العقل ليس فيه إلاّ خير، فهو الذي يوجِّه الإنسان إلى الخير، ويُلفته إلى نتائج الأمور كي لا يفعل إلاّ خيرًا.
أمّا الشهوة والغضب والوهم، فأصل وجودها لأجل الخير، فبالوهم يخطِّط الإنسان لفعل الخير، وبالغضب يدافع الإنسان عن نفسه وعرضه وأرضه، وبالشهوة يتزوَّج ويكثر النسل الإنسانيّ في الأرض. ولكن الإنسان قد ينحرف بهذه القوى فيخطِّط ليسرق، ويغضب فيعتدي، ويشتهي فيزني.
لذا أراد الله تعالى أن يبعد الإنسان عن سبل الانحراف، فكانت الشريعة في خدمة كمال الإنسان.
والآية الكريمة السابقة تتحدّث عن انحراف الشهوة من خلال إقامة علاقة محرَّمة مع الجنس الآخر، وهو ما يطلق عليه “الزنا” الذي نهى الله تعالى عنه في قوله:
﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى﴾: إنّه تعبير بليغ، فلم يقل “لا تزنوا” بل “لا تَقرَبُوا”، إنّه إشارة إلى الابتعاد عن الزنا، فالمنهيّ عنه لا ينحصر بمباشرة الزنا، بل هناك أمور نهى عنها الله تعالى، وهي قد تكون مسبِّبات أو مهيِّئات لوقوع الزنا، وهذا ما سوف نوضِّحه، بإذن الله تعالى، في ما يأتي تحت عنوان “الاختلاط بين الجنسين”.
﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾: الفاحش في اللغة هو الشيء المكروه الذي جاوز حدَّه[3].
وفسَّر البعض الفاحشة بأنّها فعل القبيح على أقبح الوجوه[4].
فالقرآن الكريم يصف الزّنا بأنه قد تجاوز في قبحه حدَّ القباحة العاديّة، فهو انحراف مريع عن طريق كمال الإنسان. ومقابل ذلك، ولأجل تحصين المجتمع:
أ- شجّع الإسلام على الزّواج المبكر
فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “ما من شاب تزوّج في حداثة سنّه إلاّ عجّ شيطانه: يا ويله، يا ويله، عصم منّي ثلثي دينه، فليتقِ الله العبد في الثلث الباقي”[5].
ورفض الإسلام التعقيدات أمام الزواج من غلاء المهور، وتأمين شقّة سكن مملوكة، وغير ذلك، ورسم القاعدة النبويّة المعروفة: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوِّجوه”[6].
ب- أوجب الإسلام الحجاب لصيانة المرأة والمجتمع
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾[7].
﴿وَسَاء سَبِيل﴾:
إنّه إخبار عن كون سبيل الزنا هو سبيل سوء في الدنيا والآخرة.
أمّا في الدنيا فله مفاسده الاجتماعيّة العديدة، التي منها:
١- شياع حالة الفوضى في النظام العائليّ، وذلك لانقطاع العلاقة بين الأبناء والآباء، ممّا يؤدّي إلى بروز أناس مشوَّهين على المستوى النفسيّ لحرمانهم العاطفة والاستقرار النفسيّ وغير ذلك.
٢- بروز انحرافات تنطلق من الشهوات الجامحة تؤدّي إلى أبشع أنواع الجرائم.
٣- ظهور الأمراض والمشاكل الصحيّة.
٤- كثرة حالات الإجهاض، وبالتالي التوسعة في قطع النسل[8].
لقد عبَّر الحديث النبويّ عن سوء السبيل هذا بالخراب فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “أربعة لا تدخل بيتاً واحدة منهنّ إلاّ خرب، ولم يعمر بالبركة: الخيانة، والسرقة، وشرب الخمر، والزنا”[9].
ولأجل منع هذا السبيل السيِّء في الدنيا لم يكتفِ الله بالتوجيه العام، بل شرَّع جملة من القوانين الجزائيّة القاسية، فدعا إلى عقوبة الزاني والزانية أمام الناس.
قال تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[10].
أمّا في الآخرة، فقد بيَّن الله تعالى عقوبة الزنا الشديدة بقوله تعالى: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحً﴾[11].
كما بيَّنت الروايات تفاصيل في تلك العقوبة الأخرويّة فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “من زنا بامرأةٍ: مسلمة، أو يهوديّةٍ، أو نصرانيّةٍ، أو مجوسيّةٍ، حرَّةٍ، أو أمةٍ، ثمّ لم يتب، ومات مصرّاً عليه، فتح الله له في قبره ثلاث مائة باب يخرج منه حيّات وعقارب وثعبان النار، يحترق إلى يوم القيامة”[12].
وعن الإمام عليّ عليه السلام: “إذا كان يوم القيامة أهبّ الله ريحاً منتنةً، يتأذّى بها أهل الجمع، حتى إذا همّت أن تمسك بأنفاس الناس، ناداهم منادٍ: هل تدرون ما هذه الريح التي قد آذتكم؟ فيقولون: لا، فقد آذتنا، وبلغت منا كلّ مبلغ. قال: فيقال: هذه ريح فروج الزناة، الذين لقوا الله بالزنا، ثمّ لم يتوبوا، فالعنوهم لعنهم الله، فلا يبقى في الموقف أحد إلاّ قال: اللهم العن الزناة”[13].
وقد جمع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم آثار الزنا في الدنيا والآخرة بقوله الوارد عنه: “في الزنا سبعة خصال ثلاث منها في الدنيا، وثلاث منها في الآخرة: فأمّا التي في الدنيا: فيذهب بالبهاء، ويعجِّل الفناء، ويقطع الرزق، وأمّا التي في الآخرة: فسوء الحساب، وسخط الرحمن، والخلود في النار”[14].
لا تقربوا، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة الإسراء، الآية ٣٢.
[2] لمزيد من الاطلاع على هذه القوى راجع كتابنا: برنامج السير والسلوك.
[3] ابن فارس، احمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، لا،ط-، لا،م-، مكتبة الإعلام الإسلامي، ١٤٠٤هـ، ج٤، ص٤٧٨.
[4] السمعانيّ، منصور، تفسير السمعانيّ، تحقيق ياسر بن ابراهيم وغنيم بن عباس، ط١، رياض، دار الوطن، ١٤١٨هـ، ج٣، ص٢٣٧.
[5] المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج١٠٠، ص٢٢١.
[6] الطبرسيّ، الحسن، مكارم الأخلاق، ط٦، قم، منشورات الشريف الرضي، ١٣٩٢هـ، ص٢٠٥.
[7] سورة الأحزاب، الآي ٥٩.
[8] أنظر: الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، ط٢، قم، مدرس الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، لا،ت-، ج٨، ص٤٧٢.
[9] المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج٧٢، ص١٧٠.
[10] سورة النور، الآية ٢.
[11] سورة الفرقان، الآيات ٦٨-٧٠.
[12] المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج٧٦، ص٢٩.
[13] المصدر السابق، ص٢٥.
[14] المصدر السابق، ص٢٢.