لا تحظى الحياة بأهميّة عالية لدى الناس وحسب، بل هي أمر جدير بالاهتمام لدى الله عزّ وجل أيضا. وقد ضمن الله بعض آيات القرآن معان تنتطلق من مضامين الحياة وأهميتها. ففي سورة طه بدأ الله يحكي عن خصائص الحياة في الجنّة للنبيّ آدم (عليه السلام) وعدّ لها أربع خصائص: ﴿إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فيها وَلا تَعْرى * وأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فيها وَلا تَضْحى﴾([1]) وحذّره من أن يخرجه عدوّه الشيطان منها؛ ﴿فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى﴾([2]). إن هذه الآيات تبيّن أن الله ومن منطلق حياة الإنسان في الجنّة، قد تحدّث معه عن هذه الحياة نفسها. إذن فالحياة موطن اهتمام الله عزّ وجل، حتى ذاك القسم من الحياة الذي يشتمل على احتياجاتنا الأولية ولعلّنا نستطيع أن نعبّر عنه بالاحتياجات الحيوانيّة.
يزعم الكثير من الناس أن الدين يعتبر الحياة أمراً سيّئاً من الأساس! أو أنه يعتبرها أمرا بغيضا لا يليق بنا الحديث عنه! بل يزعم البعض أن الدين بصدد القضاء على هذه الحياة بطريقةٍ ما!
لقد حذّر الله في الآيات الآنفة الذكر آدم (عليه السلام) من أن يخرجه الشيطان من الجنة، فإن أخرجه ستقترن حياته بالمشقّة والصعاب؛ ﴿فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى﴾([3]) ثم قال لآدم بعد هبوطه إلى الأرض: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى﴾([4]) ثم قال بعد ذلك: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكا﴾([5]).
يبدو جليّا في هذه الآيات من سورة طه أن الموضوع الأوّل هو موضوع حياة الإنسان، وأنّه لا ينبغي أن تكون حياتنا مليئة بالمشقّة والصعاب. وأن أحد أهداف الهداية الإلهية الرئيسية هو القضاء على الحياة المليئة بالعسر والمشقّة والضنك، وأن اتباع هدى الله يمنح الإنسان حياة مريحة.
فعلى سبيل المثال إن الصلاة هي عمود خيمة ديننا، وإن أهميتها لمعلومة. ومن جانب آخر الكثير منّا لا يدرك شيئاً من أسرار الصلاة. ولهذا قد يعتبرها البعض عملاً تكرارياً رتيباً، وقد يصعب على الإنسان أن يُقلع عن حياته العادية عدّة مرّات في اليوم ويباشر عملا قد لا يعرف حكمته ولا يدرك فائدته. في حين أن الصلاة بالإضافة إلى ما تتركه من آثار معنوية كبيرة، لا تخلو من آثار وفوائد مادّية لنا. أحدها هو ما أشار إليه النبي (صلى الله عليه وآله) حيث قال: »الصَّلَاةُ… رَاحَةٌ فِي الْبَدَن»([6]).
قلّ ما ننتبه نحن إلى آثار الصلاة على الجسم وقلّ ما ننتبه إلى فوائدها الدنيوية. وإن أراد المبلغون أن يتحدّثوا عن هذه الآثار والفوائد الدنيويّة للصلاة قد يقال لهم: «لقد نزّلتم تلك الحقائق المعنوية الرائعة من أوجها وقد أعطيتمونا إياها على مستوى الاحتياجات المادّية!«
وكذلك في صلاة الليل التي تمثّل أوج معنويّاتنا، حيث وردت روايات كثيرة حول آثارها وفوائدها الدنيويّة. فعلى سبيل المثال قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «قِيامُ اللَّيلِ مَصَحَّةٌ لِلْبَدَن»([7]). وقد صرّح بعض المحقّقين في الأمراض الجسميّة وعلى أساس دراساتهم ما يؤيّد كلام أمير المؤمنين (عليه السلام).
كثير منّا لا يصدّق أن صلاة الليل مفيدة لسلامة جسمنا! إذ ليست رؤيتنا عن الدين هي أننا ومن أجل العيش في حياة مريحة وسعيدة في هذه الدنيا بحاجة إلى الدين، وانه قد أعطي خير الارشادات للوصول إلى هذا الهدف، ممّا يعجز عن إعطاؤها سائر الناس، وإنما الله هو القادر على هدايتنا إلى تحصيل الحياة الأفضل.
سماحة الشيخ علي رضا بناهيان
([1]) طه/118،119
([2]) طه/117
([3]) طه/117
([4]) طه/123
([5]) طه/124
([6]) جامع الأخبار/72
([7]) المحاسن/ج1/ص53