إنّ العزّة والكرامة من أبرز الخلال التي نادى بها الإسلام العظيم، وغرسها في نفوس المسلمين، وتعهَّد نماءها بما شرعه من عقائد، وسنّه من أحكام، ووجَّه به من آداب، فالمؤمن عزيزٌ بما أعزّه الله به من إيمان، وبما منحه من كرامة. قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[1]. كما أنّ المؤمن مُؤَيَّدٌ منصور، مكْفِيٌّ ومدفوعٌ عنه، ولو اجتمع عليه من بأقطار الأرض، إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته ظاهرًا وباطنًا، وقد خاطَبَ الله المؤمنين قائلاً: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[2].
فالمؤمن عزيز بعزّة الله حتى لو كان فقيراً معدماً من المال، ولو طوى شهراً كاملاً جوعاً تراه لا يذلّ لأحد إلا لله سبحانه لأنّه علِم وتيقّن أنّ النافع الضار هو الله، وأنّ الذي بيده ملكوت كلّ شيء هو الله تعالى، وأنّه لا شيء يحدث إلا بأمر الله: ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾[3]، فالخلق خلقه، والأمر أمره، فهل بقي لأحد شيء بعد ذلك؟
روى مولانا الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: “الرجل كلّ الرجل نِعْمَ الرجل هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله، وقواه مبذولة في رضاء الله، يرى الذلّ مع الحقّ أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل”.
وقال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام: “إنّ الله تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن أموره كلّها، ولم يُفوّض إليه أن يذلّ نفسه ألم ترَ قول الله سبحانه وتعالى هاهنا ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾“[4].
وللمحافظة على هذا العزّ الذي يُبقي المؤمن منيعاً رفيع القدر بسبب دينه، فلا يحتاج في عزّه وكرامته وغلبته إلى أن يميل إلى أحد ويأنس به، لأنّ عزّته بالدين لا بالعشائر والتابعين – من أجل هذا – يُطالعنا مولانا الإمام الباقر عليه السلام بوصيّته الخالدة: “وَاطْلُبْ بَقَاءَ الْعِزِّ بِإِمَاتَةِ الطَّمَعِ، وَادْفَعْ ذُلَّ الطَّمَعِ بِعِزِّ الْيَأْسِ، وَاسْتَجْلِبْ عِزَّ الْيَأْسِ بِبُعْدِ الْهِمَّة”.
فطلب بقاء العزِّ يكون بإماتة الطمع، وإلا فالمآل إلى الذلّ، ويُدفع ذلّ الطمع بعزّ اليأس.
المهتدون، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة المنافقون، الآية 8.
[2] سورة آل عمران، الآية 139.
[3] سورة الأعراف، الآية 54.
[4] أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، الأحتجاج، ج 2، ص 321، الطبعة 1: دار المرتضى، مشهد.