النصر والحق حليفان، فأَينما حلَّ الحق كان النصر، وأَينما حصل النصر كان في ظل الحق منطلقاً منه، بل يمكن القول إن النصر في الحقيقة ليس إلا تجلي للحق ومظهر له، وذلك أن الحق هو اسم من أسماء الله وبعض من حقائق القدرة الأزلية الأبدية، والله تعالى هو المنتصر والقاهر والمهيمن والمقتدر، فالحق منتصر على الدوام لأنه من إرادة الله وعدله فهو حقيقة ثابتة لا تبدل لها، ومقابل الحق يأتي الباطل الذي هو سراب ووهم وخيال ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾([1])، ولذلك قيل: إن للباطل جولة وللحق جولات، وقيل أيضاً: للباطل ساعة والحق إلى قيام الساعة. وعليه فإن نتيجة الصراع بين الحق والباطل هو انتصار الحق على الدوام حتى لو قتل أهل الحق وصرعوا من قبل الباطل وأهله في بعض أدوار الزمان.
وبهذا الصدد يخاطب الإمام الخميني الشعب الإيراني المنتصر إبان الثورة الإسلامية الظافرة في إيران عام 1979 بقوله: “الحق منتصر، وما دمنا في طريق الحق فنحن منتصرون، والباطل مهزوم وكل من يسير في طريق الباطل فسوف يكون مهزوماً… لقد كان الحق معكم حينما هتفتم: نحن نريد الإسلام ولا نريد الكفر والشرك ولا الغزاة ولا قول الزور، وأولئك كانوا مع الباطل حينما وقفوا بمواجهتكم وأرادوا المحافظة على ذلك النظام، كذلك القوى الداخلية والقوى الخارجية والعملاء الداخليون سواء كانوا من أهل القلم والبيان أم كانوا من أهل العمل والحيل والرايات الحربية،… ومع ذلك فإن شعبنا بقدرة (الله أكبر)، تغلب على هذه الحيل والرايات الحربية الكبيرة وانتصر، والحق منتصر دائماً”([2]).
الثبات على الحق:
من القضايا الهامة والتي تعد شرطاً في تحقيق النصر وديمومته هي الثبات على الحق والتمسك به وعدم الحياد عنه، لأن الحياد عن الحق والانحراف عنه هو خروج عن جادة النصر إلى وادي الهزيمة بل تكون الهزيمة هنا أشد لأنها جاءت بعد انتصار، وبعد قيام الحجة بمعرفة الحق والتمسك به ومن ثم تركه والحياد عنه. والثبات على الحق يحتاج للكثير الكثير من العزم والإرادة والإخلاص والوعي والحكمة والتصميم. فطريق الحق هو الطريق المستقيم والجاد الذي لا اعوجاج فيه، وهو طريق ذات الشوكة والصراط المستقيم الذي أمر الله تعالى بالسير فيه والتمسك به. والتمسك هنا يحتاج إلى التثبت الشديد مع تجميع كل القوى العقلية والنفسية والجسدية تركيزاً على هذا المسار دون غيره مع بذل التضحيات عندما يتطلب الأمر ذلك، وبهذا يكون الثبات إلى جانب الحق ثباتاً على النصر وسراً من أسراره. يقول الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه: “الشرط الأساسي هو الثبات إلى جانب الحق، يجب أن يجتمع الذين آمنوا بالإسلام وآمنوا بالحق على حقهم، ولا يدعوا أهل الباطل يجتمعوا على باطلهم”([3]). وفي كلام الإمام هنا أيضاً إشارة واضحة إلى شرط آخر من شروط الثبات على الحق هو اجتماع المؤمنين بحقهم على كلمتهم وحقهم في دفاعهم عنه، وعدم ترك هذه الميزة لأهل الباطل دونهم، ففرقة أهل الحق عن حقهم وتخليهم عنه يعدُّ هجراً لهذا الحق وبالتالي أخذاً بأسباب الهزيمة وعلو الباطل.
النّصر ، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) سورة الرعد، الآية: 17.
([2]) الاستقامة والثبات في شخصية الإمام قدس سره، ص197.
([3]) الاستقامة والثبات في شخصية الإمام قدس سره، ص197.