من هو شهيد فخ[1]:
شهيد فخ هو الحسين بن علي بن الحسن المثلث ابن الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب عليهمالسلام، أبو عبد الله، وأمه زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، قتل المنصور العباسي أباها وأخاها وزوجها وعمومتها وبنيهم أيام النفس الزكية. كان الحسين من أشراف الطالبيين الشجعان الكرماء، يضرب المثل بجوده وكرمه وطيبة نفسه، بيد أن الفترة التي عاشها ابّان حكم الهادي المتعطش لدماء العلويين تعدّ من أقسى الفترات الرهيبة في تاريخ الطالبيين، فقد مضى الهادي إلى آخر الشوط في استأصال زينة شبابهم، وأسرف في ممارسة القمع والارهاب معهم، مما اضطرهم إلى إعلان الثورة عليه حيثما توفرت الفرصة لذلك.
قال اليعقوبي: ظهر منه – أي الهادي العباسي – أمور قبيحة، وضعف شديد، فاضطربت البلاد، وتحرك جماعة من الطالبيين، وصاروا إلى ملوك النواحي فقبلوهم ووعدوهم بالنصر والمعونة، وذلك أن موسى ألحّ في طلب الطالبيين وأخافهم خوفاً شديداً، وقطع ما كان المهدي يجريه لهم من الأرزاق والاُعطيات، وكتب إلى الآفاق في طلبهم وحملهم، فلما اشتدّ خوفهم وكثر من يطلبهم ويحث عليهم، عزم الشيعة وغيرهم إلى الحسين بن علي بن الحسن، وكان له مذهب جميل وكمال ومجد، فبايعه خلق كثير ممن حضر الموسم[2].
فقرر الحسين الثورة، وكان خروجه بالمدينة في ذي القعدة سنة (169 ه)، وبايعه الناس على العمل بكتاب الله وسنة رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلى أن يطاع الله ولا يعصى، والدعوة إلى الرضا من آل محمد صلىاللهعليهوآله، والعدل في الرعية، والقسم
بالسوية، وجهاد العدو.
واستولى الحسين على المدينة فاستخلف عليها دينار الخزاعي، وخرج قاصداً مكة ومعه زهاء ثلاثمائة من أهله ومواليه وأصحابه، فلما صاروا بفخ وبلدح في ضواحي مكة تلقتهم الجيوش العباسية، في يوم التروية سنة (169 ه)، وكان القتال شديداً، فانهزم من كان معه، وصبر لهم الحسين محتسباً حتى قتل مع جماعة من أهله، وحملوا رؤوسهم إلى الهادي العباسي مع جمع من الأسرى فأمر بهم فضربت أعناقهم.
وذكر الرواة أنه حين جاء الجند بالرؤوس إلى موسى والعباس وعندهم جماعة من ولد الحسن والحسين، فلم يتكلم أحد منهم بشيء إلاّ موسى بن جعفر عليهماالسلام فقيل له: «هذا رأس الحسين. قال: نعم، إنا لله وإنا إليه راجعون،
مضى واللّه مسلماً صالحاً صوّاماً قوّاماً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله، فلم يجبه أحد بشيء».
واقترف العباسيون ابّان هذه الحرب جرائم تشابهت مع جرائم الأمويين في كربلاء، فقد رفعوا رؤوس العلويين على الرماح، وطافوا بأسراهم في الأقطار وهم مقيدون بالسلاسل، ثم أجهزوا عليهم فقتلوهم صبراً وصلبوهم، وتركوا شهداء أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآله مجزرين تسفي عليهم الريح مبالغة منهم في التشفّي والانتقام، ذكر المؤرخون: بقي قتلاهم ثلاثة أيام دون أن توارى في الثرى حتى أكلتها الحيوانات الضارية والطيور الجارحة، ولهذا يقال: لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشد وأفجع من فخ. وروى أبو نصر البخاري عن أبي جعفر الجواد عليهالسلامأنه قال: «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ».
المصدر: الإمام موسى الكاظم (ع) سيرة وتاريخ
[1] فخ: بئر في ضواحي مكة بينه وبينها نحو فرسخ.
[2] تاريخ اليعقوبي 2: 404.