اهتمت الشريعة الإسلامية بتكفين الميت وأولته اهتماماً خاصاً، وأكدت الروايات الشريفة على الاهتمام بالكفن من خلال آداب ومستحبات كثيرة، كلها تصب في أن يكون الميت في غاية الترتيب والاحترام، ويبعد عن المهانة والاستخفاف به، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: تنوقوا في الأكفان، فإنهم يبعثون بها1.
وسنتعرض هاهنا لما ورد من الآداب الشريفة والسنن المأثورة في التكفين، سائلين الله تعالى أن يجعلنا من المرضيين عنده والمبيض وجوههم يوم لقائه.
من آداب التكفين
1- استحباب إعداد الإنسان كفنه
ولعل الحكمة في ذلك تذكرة للمؤمن كلما نظر إليه، كما أنه يدل على اهتمام الإسلام الشديد بمسألة الكفن، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أعد الرجل كفنه فهو مأجور كلما نظر إليه2.
2- نزع أزرار القميص
فيما لو كان في قميص الكفن أزراراً، وأكماماً فينزع عنه أزراره، ويبقي الأكمام على حالها ففي الرواية عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا جعفر عليه السلام أن يأمر لي بقميص أعده لكفني، فبعث به إلي، فقلت: كيف أصنع؟ فقال: انزع أزراره3.
وعن الإمام الصادق عليه السلام : ينبغي أن يكون القميص للميت غير مكفوف ولا مزرور4.
والمكفوف هو ما قصِّر من كمه.
3- إجادة الأكفان
وهي أن يقتني الإنسان أفضل أنواع هذه الأكفان وهي التي تكون من الأقمشة الغالية، وقد كانت سيرة أهل البيت عليه السلام ذلك فعن الإمام الصادق عليه السلام : إن أبي أوصاني عند الموت: يا جعفر كفني في ثوب كذا وكذا، واشتر لي برداً واحداً وعمامةً، وأجدهما، فإن الموتى يتباهون بأكفانهم 5.
وعنه عليه السلام قال: أجيدوا أكفان موتاكم، فإنها زينتهم 6.
ويروى أن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام كُفِّنَ في حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار، عليها القرآن كله7.
ورد في الرواية النهي عن المماكسة في شراء الكفن، وهي طلب التخفيض في الثمن واللجاجة فيه فعن الإمام جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه و آ له وسلم لعلي عليه السلام قال: يا علي، لا تماكِس في أربعة أشياء: في شراء الأضحية، والكفن، والنسمة، والكراء إلى مكة8.
4- التكفين في القطن
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: الكتَّان كان لبني إسرائيل يكفنون به، والقطن لأمَّة محمَّد9 صلى الله عليه وآله وسلم .
5- تكفين الميت بثوب صلاته
فإن ما يصلي به الإنسان ثوب مبارك، حيث كان شاهداً على العبادة والانقطاع لله تعالى به، وقد أكدت عليه الروايات وكان من سيرة أئمتنا عليهم السلام،فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إذا أردت أن تكفنه فإن استطعت أن يكون في كفنه ثوب كان يصلي فيه نظيف فافعل، فإن ذلك يستحب، أن يكفن فيما كان يصلي فيه10.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: كتب أبي في وصيته إليّ أن أكفنه في ثلاثة أثواب: رداء له حبرة، كان يصلي فيه يوم الجمعة11.
6- تكفين الميت بثوب إحرامه
فقد رُوي أنَّ الإمام الكاظم عليه السلام كفّن أباه الإمام الصادق عليه السلام بثوبٍ كان يحرم فيه، فعنه عليه السلام : إني كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، وفي قميصٍ من قمصه12.
7- تطيبه بالذريرة والكافور
وذلك برشهما على أجزاء الكفن الثلاثة وهي المئزر والقميص والإزار، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: إذا كفنت الميت فذر على كل ثوبٍ شيئاً من ذريرة13 وكافور14.
8- العمامة في الكفن
وكيفيَّة التعميم للميت بأن يضع نصف العمامة على الجبهة ويلفها إلى خلف الرأس من ثم يردها لجهة الصدر ويلقي ما تبقى منها على صدر الميت، فعن عثمان النوا قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني أغسل الموتى، قال: وتحسن، قلت: إني أغسل، فقال: إذا غسلت فارفق به، ولا تغمزه، ولا تمس مسامعه بكافور، وإذا عممته فلا تعمّمه عمَّة الأعرابي، قلت: كيف أصنع؟ قال: خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه، ثم ردها إلى خلفه، واطرح طرفيها على صدره15.
9- تعميمه بالقطن
فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:”الكفن يكون برداً، فإن لم يكن برداً فاجعله كلّه قطناً، فإن لم تجد عمامة قطنٍ فاجعل العمامة سابريا…” 16 ، والمقصود بسابريا من الثياب: الرقاق 17.
10- كتابة دعاء الجوشن على الكفن
وهذا من السنن المشهورة جداً يقول الشيخ عباس القمِّي رضوان الله عليه :دُعاء الجَوشن الكبير المذكور في كتابي البلد الأمين والمِصباح للكفعمي وهُو مَرويّ عَنِ السجَّاد عن أبيه عَنْ جدّه عن النبيّ صلّى الله علَيهِ وعَليْهم أجمعين، وَقد هبط به جبرائيل على النبيّ صلى الله عليه و آ له وسلم وهُو في بعْضِ غزواته وَعَلَيْهِ جَوشن ثقيل آلمهُ، فقال: يا محمّد ربّك يقرئك السّلام ويقوُل لكَ: اخلع هذا الجوشَنْ واقرأ هذا الدّعاء فهو أمان لكَ ولأمّتك، ثمّ أطال في ذكر فَضله بما لا يسعْه المقام ومِنْ جُملة فَضله أنّ مَنْ كتبه على كفنه استحى الله أن يُعذّبه بالنّار ومَنْ دعا به بنيّة خالِصة في أوّل شهر رَمضان رزقه الله تعالى ليلة القدر، وَخلق له سَبعين ألف ملك يسبّحون الله وَيُقدّسونه وَجَعَلَ ثوابهم له، وَمَن دعا به في شهر رمضان ثلاث مرّات حرّم الله تعالى جَسده على النّار وأوجب له الجَنّة ووكّل الله تعالى به مَلَكين يحفظانه مِن المعاصي وَكانَ في أمان الله طول حَياته، وفي آخر الخبر انّه قال الحُسين عليه السلام : أوصاني أبي عليّ ابن أبي طالب عليه السلام بحفظ هذا الدّعاء وتعظيمه وأن أكتبه على كفنه وأن أعلّمه أهلي وأحثّهم عليه، وهُو ألف اسْم وفيه الاسم الأعظم.
أقول يستفاد من هذا الحديث أمران:
الأوّل: استحباب كتابة هذا الدّعاء على الأكفان كما أشار إلى ذلك العلاّمة بحر العلوم عطّر الله مرقده في كتابِ الدُرّة.
وَسُنَّ اَنْ يُكْتَبَ بِالاَْكْفان شَهادَةُ الاسْلامِ والايمانِ
وَهكَذا كِتابَةُ الْقُرْآنِ وَالْجَوْشَنِ الْمَنْعُوتِ بِالاَْمانِ…الخ 18.
11- وضع الجريدتين الخضراوين
الجريدة هي ورق النخيل، ووضع الجريدتين في كفن الميت من السنن المشهورة جداً ولهذه السنة آثار في القبر ذكرتها الكثير من الروايات، منها ما روي عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام :”أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة؟ فقال: يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطباً، إنّما الحساب والعذاب كلّه في يومٍ واحدٍ في ساعةٍ واحدةٍ، قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم، وإنّما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذابٌ ولا حسابٌ بعد جفوفهما، إن شاء الله”19.
وإن لم يتيسر ورقُ النخيل أمكن استبداله بعودٍ رطبٍ آخر ففي الرواية عن الإمام الهادي عليه السلام حينما سئل:”الرجل يموت في بلادٍ ليس فيها نخل، فهل يجوز مكان الجريدة شيء من الشجر غير النخل؟ فإنه قد روي عن آبائك عليه السلام أنه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين، وأنها تنفع المؤمن والكافر؟ فأجاب عليه السلام : يجوز من شجر آخر رطب”20.
كيف نضع الجريدتين؟
توضع الجريدتان في الكفن بين قطعه،وتكون إحدى الجريدتين عند يمين الميت والأخرى عند يساره، وتوضع عند ترقوته ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام :”توضع للميت جريدتان: واحدة في اليمين، وأخرى في الأيسر، قال: وقال الجريدة تنفع المؤمن والكافر”21.
وعنه عليه السلام :”إن رجلاً مات من الأنصار فشهده رسول الله صلى الله عليه و آ له وسلم فقال: خضروه، فما أقلَّ المخضَّرين يوم القيامة، فقلت لأبي عبد الله عليه السلام : وأي شيء التخضير؟ قال: تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع -هنا- وأشار بيده إلى عند ترقوته- تلف مع ثيابه”22.
12- أن لا يكون الكفن أسود
بل المستحب هو الأبيض من القطن كما أشارت الروايات السابقة وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: لا يكفن الميت في السواد23.
*اداب تجهيز الميت ، سلسلة الاداب والسنن، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- دار إحياء التراث- بيروت –ج 3- ص 39
2- م.ن. ج 3- ص 49
3- م.ن. ج 3- ص 50- 51
4- م.ن. ج 3- ص 51
5- م.ن. ج 3- ص 39
6- م.ن. ج 3- ص 39
7- م.ن. ج 3- ص 41
8- م.ن. ج 3- ص 57
9- م.ن. ج 3- ص 42
10- م.ن. ج 3- ص 15
11- م.ن. ج 3- ص 16
12- م.ن. ج 3- ص 17
13- قال الزمخشري: هي فتات قصب الطيب، وهو قصب يوتى به من الهند، كقصب النشاب.
14- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- دار إحياء التراث- بيروت- ج 3- ص 35
15- م.ن. ج 3- ص 36
16- م.ن. ج 3- ص 30
17- ابن منظور- لسان العرب- ج 4 ص 341
18- يراجع كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي رضوان الله عليه.
19- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- دار إحياء التراث- بيروت- ج 3- ص 20- 21
20- م.ن. ج 3- ص 24
21- م.ن. ج 3- ص 22
22- م.ن. ج 3- ص 21- 22
23- م.ن. ج 3- ص 43