Search
Close this search box.

تسلم المسؤولية والاعراض عن الدنيا

تسلم المسؤولية والاعراض عن الدنيا

هذا الحكم الإسلاميّ ذو معنى خاص. فالحكم الإسلاميّ غير الحكم الملكيّ؛ غير الحكم الدنيويّ؛ غير الحكم الطاغوتيّ؛ غير التسلط على الناس؛ غير عيش ذوي النفوذ والقدرة مغتنمين لفرصة الشهوات. الحكم الإسلاميّ، يعني أن يعمل موظفوه للإسلام ولله، لا لأنفسهم.

يجب أن نعدَّ أنفسنا خدامًا للناس بالمعنى الواقعيّ للكلمة، لا بالمعنى الحرفيّ للكلمة. يجب علينا، وفي أي مستوى من المستويات، أن نفكر بالابتعاد بشكل كامل عن فكرة: “طالما أنّنا نستطيع الاستفادة من الإمكانات المتاحة لنا لتأمين متطلباتنا ورغباتنا، فلنفعل”. يجب على مسؤولي البلد أن يكونوا قدوة للآخرين في الزهد؛ أي في الإعراض عن زخارف الدنيا؛ وحدّ ذلك، هو حدّ الورع أيضًا.

أمير المؤمنين في رسالته المعروفة لـ “عثمان بن حنيف” بعد أن يقول بأنّك كنت قد جلست على مثل هذه السفرة، وكذا وكذا، يصف حياته قائلًا: “أَلا وإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمنْ طُعْمِه بِقُرْصَيْهِ”[1]. ثم أتبع: “أَلاَ وإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ”[2]؛ أي إني لا أتوقّع منكم مثل هذه الحياة.

أيمكن أن يخطر ببالي وبالكم أنّنا قادرون على أن نحلّق إلى حدّ الذروة؟ أليست مزحة؟ القضيّة ليست أنّنا نتخلّى عن المسؤوليّة. كلا، فإذا استطاع شخص، فعليه أن يفعل. وليست القضيّة أنّنا نقدّم مبرّرات لأعمالنا. كلا، فليست الحياة عملًا تصنعيًا؛ بل إنّها تتكئ على روح صلبة؛ هذه الروح كانت لدى أمير المؤمنين.

ويتابع عليه السلام قائلًا: “ولكِنْ أَعِينُوني بِوَرَعٍ وَاجْتِهَاد”[3]؛ سارعوا بالورع واسعوا واجتهدوا في هذا الدرب بكلّ ما أوتيتم من قوّة. وإذا لم تقدروا على هذا، فتابعوا على قدر استطاعتكم. إذا كنا نطالب ونرفع الشعار ونقول بأنّه يجب على مجتمعنا أن ينصرف عن روحيّة الاستهلاك وأن يتحرّر مما تروّج له الثقافة الغربيّة، فإنّ إنجاز ذلك متوقّف على عملنا. نحن الذين يتوجّب علينا أن نعلّم الشعب هذه الأمور. وإلّا فهل يمكن أن نُبتلى بأنواع وأصناف من الشكليّات والرفاهيّات، ونتوقع من الشعب ألّا يكون مرفهًا في الوقت نفسه؟! فإذا أطلقوا شعارًا في أماكن أخرى، توجّب علينا الالتزام.[4]

المجلس قدوة للشعب وللمؤسسات
لقد سررت حقًّا حينما قرأت في الصحافة أنّكم قرّرتم إعادة النظر حول بعض قضايا المجلس وبعض الامتيازات غير المبررة، ودعوت اللهَ ليحفظ القائمين على هذا العمل، مثلًا افترضوا أنّ شخصًا يمتلك منزلًا، يرغب أيضًا بمنزل ثانٍ؛ يمتلك امتيازًا، يرغب بامتياز آخر. في الواقع أشكركم لورودكم بقوّة وهمّة في هذا المسار. تابعوا هذا المسير وثابروا على إنجاز هذه الأعمال. وعلى قدر استطاعتكم عالجوا الأمور بشكل منطقيّ وصحيح. بالطبع نحن لا نوصي وكذلك لا نتوقع مثلًا من النواب في المجلس أن يجوعوا ويعطشوا ويزهدوا -فلسنا كذلك، ولا أنتم- نحن نقول لا للمبالغة والإسراف ولا لإنجاز الأعمال بعشوائية وببذل نفقات غير مبرّرة. ربّما ليست جميع نفقات المجلس مبالغَ خياليّة؛ لكن عندما تسلكون هذا الطريق، فإنّكم تقدّمون قدوة للناس وللأجهزة وتشخّصون الطريق والوجهة. إنّ عملكم ذو قيمة كبيرة وجيّد جدًا؛ واصلوا ذلك.[5]

حياة الصالحين في كلام الإمام الخامنئي (دام ظله)، مؤسسة الثورة الاسلامية للثقافة والأبحاث (مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي)

[1] – نهج البلاغة، الرسالة 45.
[2] – المصدر نفسه.
[3] – المصدر نفسه.
[4] – في لقاء مع مسؤولي وموظفي نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، بحضور حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، 14/9/1369هـ.ش [5/12/1990م].
[5] – في لقاء مع نواب الدورة السابعة لمجلس الشورى الإسلامي، 27/3/1383هـ.ش [16/6/2004].

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل