قد حلف سبحانه في سورة التكوير بالكواكب بحالاتها الثلاث، مضافاً إلى الليل المدبر، والصبح المتنفس، وقال: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَولُ رَسُولٍ كَريمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ * مطاعٍ ثَمَّ أَمِين﴾. التكوير/15 _21.
أشار سبحانه إلى الحلف الاَوّل، أي الحلف بالكواكب بحالاتها الثلاث بقوله:
الخُنَّس، الجوار، الكنس.
كما أشار إلى الحلف بالليل إذا أدبر، بقوله:﴿ وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَس﴾.
وإلى الثالث أي الصبح المتنفس بقوله: ﴿والصُّبْحِ إِذا تَنَفَّس ﴾.
الخنس: هو جمع خانس كالطُلَّب جمع طالب، فقد فسره الراغب في مفراداته بالمنقبض، قال سبحانه: ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الخَنّاس﴾ أي الشيطان الذي يخنس، أي ينقبض إذا ذكر اللّه تعالى.
وقال تعالى:﴿ فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّس﴾ أي بالكواكب التي تخنس بالنهار.
وقيل: الخنس من زحل والمشتري والمريخ، لاَنّها تخنس في مجراها أي ترجع،واخنست عنه حقه أي أخرته. 1
فاللفظ هنا بمعنى الانقباض أو التأخر، ولعلهما يرجعان إلى معنى واحد، فانّ لازم التأخر هو الانقباض.
الثاني: الجوار: جمع جارية، والجري السير السريع مستعار من جري الماء.
الثالث: الكنس: جمع كانس والكنوس دخول الوحش كالظبي والطير كناسه أي بيته الذي اتخذه لنفسه واستقراره فيه،وهو كناية عن الاختفاء فالمقسم به في الواقع هي الجواري بما لها من الوصفين: الخنوس
والكنوس، وكأنّه قال: فلا أقسم بالجوار الخنس والكنس، فقد ذهب أكثر المفسرين أنّ المراد من الجواري التي لها هذان الوصفان هي الكواكب الخمسة السيارة التي في منظومتنا الشمسية، والتي يمكن روَيتها بالعين المجردة، وهي عطارد، الزهرة، المريخ، المشتري، زحل و يطلق عليها السيارات المتغيرة.
وتسمية هذه الخمسة بالسيارات والبواقي بالثابتات لا يعني نفي الجري والحركة عن غيرها، إذ لاشك انّ الكواكب جميعها متحركات، ولكن الفواصل والثوابت بين النجوم لو كانت ثابتة غير متغيرة فتطلق عليها الثابتات، ولو كانت متغيرة فتطلق عليها السيارات، فهذه السيارات الخمسة تتغير فواصلها عن سائر الكواكب.
فهذه الجواري الخمس لها خنوس وكنوس، وقد فسرا بأحد وجهين:
الاَوّل: أنّها تختفي بالنهار، وهو المراد من الخنّس، وتظهر بالليل وهو المراد من الكنّس.
الثاني: أن يقال: انّ خنوسها وانقباضها كناية عن قرب فواصلها ثمّ هي تجري وتستمر في مجاريها، وكنوسهاعبارة عن قربها و تراجعها
قال في اللسان: وكنست النجوم كنساً، كنوساً: استمرت من مجاريها ثم انصرفت راجعة . 2
وعلى ذلك فاللّه سبحانه يحلف بهذه الاَنجم الخمسة بحالاتها الثلاث المترتبة في الليل، وهي انّها على أحوال ثلاثة.
منقبضات حينما تقرب فواصلها ثمّ إنّها بالجري يبتعد بعضها عن بعض، ثمّ ترجع بالتدريج إلى حالتها الاَُولى فهي بين الانقباض والابتعاد بالجري ثمّ الرجوع إلى حالتها الاَُولى.
﴿واللّيل إِذا عَسْعَس﴾ وقد فسر عسعس بإدبار الليل وإقباله، فإقبالها في أوّله وإدبارها في آخره.
والظاهر انّ المراد هو إقبالها.
﴿وَالصُّبح إِذا تَنَفَّس﴾ والمراد من تنفس الصبح هو انبساط ضوئه على الاَُفق ودفعه الظلمة التي غشيته، وكأنّ الصبح موجود حيوي يغشاه السواد عند قبض النفس ويعلوه الضوء والانبساط عند التنفس .3
1- مفردات الراغب: مادة خنس.
2- لسان العرب: مادة كنس.
3- الأقسام في القرأن / الشيخ السبحاني _ سورة التكوير.