الحرب كمفهوم ومصطلح معجمي تعني غالباً ” النزاع المسلح بين دولتين أو أكثر من الكيانات غير المنسجمة الهدف منها إعادة تنظيم الجغرافية السياسية للحصول على نتائج وغايات “.
وقد أضاف اليها المنظر العسكري التاريخي كارل فون كلاوزفيتز نظرته الثاقبة والعميقة عندما قال إن “الحرب هي عمليات مستمرة من العلاقات السياسية ولكنها تقوم على وسائل مختلفة.
وإن لكل عصر نوعه الخاص من الحروب، والظروف الخاصة، والتحيزات المميزة”1.
وبالتالي فالحرب الناعمة شكل من أشكال الحروب تتخذه الدول عند انسداد الخيارات العسكرية أمامها بمواجهة دولة أو كيان أو حزب معادٍ لمصالحها.
وهذا ما نوّه إليه وزير الإرشاد الإسلامي الإيراني السيد محمد حسيني عندما قسم أنواع الحروب إلى ثلاثة أشكال، الشكل العسكري وقد انتهى مع أفول الحرب العالمية الثانية، والشكل الذي اتخذته الحرب الباردة وقد انتهى مع سقوط الاتحاد السوفياتي، والشكل الجديد أي الحرب الناعمة وقد بدأ منذ العام 1991 ولن ينتهي في المدى المنظور”2.
وقد حدد كل من جوزيف ناي وهو نائب سابق لوزير الدفاع الأميركي وجيمس غلاسمان وهو مدير مركز جورج بوش الابن للدراسات والوكيل السابق لهيئة حكام البث الإعلامي الحكومي ومايكل دوران وهو نائب مساعد وزير الدفاع للشؤون الدبلوماسية سابقاً وغيرهم من المنظرين الاستراتيجيين الذين عالجوا الحالة الإيرانية السيناريوهات الموضوعة أمام القيادة الأميركية للتعامل مع النظام في إيران حاصرين إياها في أربعة احتمالات3:
1ـ المواجهة العسكرية المكلف جداً بسبب جغرافية وتضاريس إيران وإمكاناتها.
2ـ التسوية السياسية، وهذا الأمر غير مرغوب فيه من طرف الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل.
3ـ الحرب الناعمة بهدف “تغيير شخصية القيادة الإيرانية” وهو الحل الذي رجحه أغلب الخبراء.
4ـ ترك إيران تتقدم في هذه المنطقة المهمة من العالم وهذا الأمر مستحيل.
وعلى ضوء هذا الأساس الذي بّينّاه… وإذا قرأنا جيداً مقولة الإمام الخامنئي دام ظله عندما قال إن
“وسائل الاعلام في هذا العصر لها قدرة تدميرية تعادل القنبلة الذرية”
لا نكون في موقع المبالغة إذا حددنا أن كل فضائية معادية تعادل سرب طائرات أو حاملة طائرات
في قوتها الناعمة في سياق معادلات هذه الحرب الجديدة
وكل موقع أو شبكة انترنت تعادل مدفعاً ثقيلاً في قوتها الناعمة
وكل مقالة أو تصريح يعادل قذيفة صاروخية في قوته الناعمة، كما أن كل تصريح أو خطاب
لقائد من قادة الفتنة يوازي كميناً بعبوة ناسفة متفجرة في قوته الناعمة.
فهذه هي أسلحة الحرب الناعمة.
وإذا كان الإمام الخامنئي دام ظله قد حدد التكليف بالمقاومة والصمود في مواجهة هذه الحرب
فلا ينبغي أن نفكر بالرد وفق أساليب وآليات الرد الثقافي والإعلامي الكلاسيكي
أي من صنف الرد الفكري العادي المتعارف عليه في عالم الثقافة والإعلام الذي يرتكز على أساس
أن هناك صراعاً حضارياً وفكرياً وثقافياً!!
فهذا ينم عن فهم مبتور للقضية برمتها كما بينا وفصلنا، بل ينبغي الرد من خلال تأسيس فضائيات ومواقع إنترنت وصحف ومؤسسات تعمل على إبتكار إستراتيجيات وتكتيكات إعلامية وثقافية
مضادة على ضوء المعارف والخبرات والمعادلات العلمية
لمواجهة الحرب الناعمة وفي إطار خطة مدروسة ومضادة لا تهدر الطاقات
ولا تضيع الأوقات في بث برامج ومواد خارجة عن السياق ولا صلة لها بمواجهة هذه الحرب الدائرة !!.
ولهذا ينبغي تأسيس مراكز أبحاث وكليات ومعاهد لدراسة الحرب الناعمة
وتدريب كوادر على أسس هذه الحرب وتخريج عناصر وضباط وقادة يقاتلون في جبهات هذه الحرب
وهذا الأمر تحدث عنه الإمام القائد أعزه المولى عندما شبه أساتذة الجامعات
ومراكز البحث العلمي والطلاب المخلصين وعلماء الدين بأنهم قادة وضباط جبهة الحرب الناعمة
وهو كان تشبيهاً واقعياً ميدانياً وليس تشبيهاً مجازياً أدبياً أو بلاغياً.
*رؤية الإمام الخامنئي في مواجهة الحرب الناعمة , سلسلة الندوات الفكرية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- القاموس العسكري، منشورة على موقع الموسوعة العالمية الحرة ويكيبيديا www.wikipedia.org.
2- تصريح لوزير الارشاد الاسلامي الايراني في مؤتمر ” دور وسائل الاعلام الداخلية في الحرب الناعمة ” منشور على موقع وكالة انباء الكتاب الايراني www.ibna.ir.
3- مقالة منشورة في صحيفة وول ستريت جورنال 21 يناير 2010 على صفحات موقع عراق المستقبل وهو موقع ذو توجه اميركي بريطاني www.iraqfuture.net ترجم المقالة علي الحارس.