هناك العديد من الروابط التي تربط بين البشر، وقد تشترك بعض هذه الروابط مع بعضها البعض كما هو حاصل لدينا في مسألة الجوار، ولهذا ينبّه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنّه قد يكون للجار المسلم أكثر من حقّ الجوار، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “الجيران ثلاثة: فمنهم من له ثلاثة حقوق: حقّ الإسلام، وحقّ الجوار وحقّ القرابة.
ومنهم من له حقّان: حقّ الإسلام، وحقّ الجوار.
ومنهم من له حقّ واحد: الكافر له حقّ الجوار”([1]).
لخَّص الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام حقوق الجار في صحيفته السجاديَّة المباركة فقال: “وأمّا حقّ جارك، فحفظه غائباً، وإكرامه شاهداً، ونصرته إذا كان مظلوماً، ولا تتبّع له عورة، فإن علمت عليه سوءاً سترته عليه، وإن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلمه عند شديدة، وتقيل عثرته، وتغفر ذنبه، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا قوّة إلا بالله”.
وسنضيء على بعض ما ورد من هذه الحقوق، والتي تتعلّق بشكل أساسيّ بكفّ الأذى، فأوّل هذه الحقوق:
1- لا تتبع له عورة
سواء بحفظ خصوصيّته في بيته، إذا كان بيتك مشرفاً على داره، بحيث تغضّ الطرف عن النظر إلى داخله, وتكفّ بصرك عن عياله، وهذا ما كان من أخلاق العرب ما قبل الإسلام، وأكّد عليه الدين الحنيف. ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من ملأ عينه من حرام، ملأ الله عينه يوم القيامة من النار، إلّا أن يتوب ويرجع”([2]).
وليعلم المؤمن أنّه تحت نظر الله تعالى، وأنّ الله تعالى أمره بالستر على عورات الناس، ولا سيّما الجار، وأنّ كفّ البصر عن الحرام في هذه المواطن ممّا يورث المرء حلاوة من الإيمان، ويضيف لانتصاراته على الشيطان انتصاراً آخر، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: “ما اعتصم أحد بمثل ما اعتصم بغضّ البصر، فإنّ البصر لا يغضّ عن محارم الله إلّا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال”([3]).
وسئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: بما يستعان على غضّ البصر؟
فقال: “بالخمود تحت سلطان المطّلع على سترك”([4]).
فإنّه وإن كان لا يراك ناظر حين تنظر لعورات الآخرين، إلّا أنّ هنالك ناظراً يراك في كلّ سرّك وعلانيّتك ويراقبك، وملائكته تحصي عليك النظرة والطرفة، وما هو أدنى من ذلك.
2- أن تحفظه في غيبته
فترعى حال عياله وأطفاله، وتقضي لهم من حوائج الدنيا ما يحتاجون إليه، فهذا من الحقوق التي لا ينبغي التفريط فيها، ففي الرواية عن الإمام السجّاد عليه السلام: “ولا تخرج أن تكون سلماً له، تردّ عنه لسان الشتيمة، وتبطل فيه كيد حامل النصيحة”([5]).
ولا بأس بالتنبيه إلى خصوصيّة الجار المجاهد، فإنّ رعاية حال عياله وحفظه في غيبته أوجب في الحقوق، وحقّه بجهاده يضاف إلى حقّ الجوار وحقّ الأخوّة في الإيمان، وعليه فإنّ من حقّ الجار المجاهد أن نكفّ عنه الأذى، ولا نخلفه في أهله خلافة السوء، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “من اغتاب غازياً في سبيل الله أو آذاه أو خلفه بسوء في أهله، نصب له يوم القيامة علمُ غدرٍ فيستفرغ حسناته، ثمّ يركس في النار”([6]).
كفّ الأذى، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) مستدرك الوسائل – الميرزا النوري – ج 8 ص 424.
([2]) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 4 ص 3291.
([3]) م. ن. – ج4 ص 3293.
([4]) م. ن. – ج 4 ص 3293.
([5]) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 71 ص 17.
([6]) م. ن. – ج 97 ص 50.