قال تعالى: “منْ عمِل صالِحا مِّن ذكرٍ أوْ أُنثى وهُو مُؤْمِنٌ فلنُحْيِينّهُ حياة طيِّبة”([1]).
روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال في معنى الحياة الطيبة، إنها القناعة والرضا بما قسم الله تعالى.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): “قانِعة نفْسُهُ _ وحاجاتهم خفيفة”.
تتجسد حالة القناعة عند المؤمن في: التفاؤل وبسط الوجه، وعدم الشكوى، كذا وصف الله تعالى أهل القناعة والعفة فقال: “يحْسبُهُمُ الْجاهِلُ أغْنِياء مِن التّعفُّفِ تعْرِفُهُم بِسِيماهُمْ لا يسْألُون النّاس إِلْحافا”([2]).
والقانع على درجة من الإيمان وحسن الظن بالله تعالى، والثقة به في كل أحواله، فهو يعلم أن الله عز وجل لا يمنع إلا لمصلحة العبد وهو العزيز الحكيم، يهب لحكمة، ويمنع لحكمة، ويقدر الأرزاق لحكمة. قلبه مطمئن بالله تعالى، وروحه متوجهة إلى الآخرة، لم يُسحر قلبه بزينة الدنيا الزائلة.
عن الإمام الرضا عليه السلام: “لا يسلك طريق القناعة إلا رجلان: إما متعبد يريد أجر الآخرة، أو كريم متنزه عن لئام الناس”.
ثم القناعة تأتي بخصال أخرى كريمة، تبينها النصوص الشريفة التالية:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: “من قنعت نفسه، أعانته على النزاهة والعفاف- القناعة رأس الغنى- كفى بالقناعة ملكاً- من عز النفس لزوم القناعة- ثمرة القناعة العز- أعون شيء على صلاح النفس: القناعة”.
غض البصر ووقف السمع
“غضوا أبصارهم.. ووقفوا أسماعهم..”
ولأن السمع والبصر نعمتان فهما تستوجبان شكر الله المنعم، وحق الشكر أن لا تستخدم نعم الله في معصيته، بل يذكر الإمام السجاد عليه السلام لهما حقوقا فيقول:
“وأما حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا، أوتكسب خلقا كريما، فإنه باب الكلام إلى القلب، يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أوشر، ولا قوة إلا بالله..”.
إن جهاز السمع هو الأداة الفعالة في تكوين شخصية الإنسان، وبناء سلوكه، وذلك بما ينقله من المسموعات التي تنطبع في دخائل الذات وقرارة النفس، ومن حقه على الإنسان أن يجعله بريدا لنقل الآداب الكريمة، والفضائل الحسنة، والمزايا الحميدة ليتأثر بها، وتكون من صفاته وخصائصه.
وهكذا يفعل المتقون الذين (وقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم) في الدّنيا والآخرة الموجب لكمال القوّة النظرية والحكمة العمليّة، وأعرضوا عن الإصغاء إلى اللّغو والأباطيل كالغيبة والغناء ونحوها، وقد وصفهم اللّه سبحانه بذلك في قوله ﴿والّذِين هُمْ عنِ اللّغْوِ مُعْرِضُون﴾ وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام :”الغناء مما وعد الله عليه النار” وتلا هذه الآية ﴿ومِن النّاسِ منْ يشْترِي لهْو الْحدِيثِ لِيُضِلّ عنْ سبِيلِ اللّهِ بِغيْرِ عِلْمٍ ويتّخِذها هُزُوا أُولئِك لهُمْ عذابٌ مُهِينٌ﴾([3])، وعن الإمام الصادق عليه السلام: “بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، ولا تجاب فيه الدعوة، ولا يدخله ملك”([4]).
“وأما حق بصرك فغضه عما لا يحل لك، وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا أو تستفيد بها علما فإن البصر باب الاعتبار” إن للبصر حقا على الإنسان، وهو حجبه عن النظر إلى ما حرمه الله الذي هو مفتاح الولوج في اقتراف الآثام، فينبغي للمسلم أن يغض بصره عما لا يحل له، وأن ينظر إلى مواضع العبر ليستفيد منها في بناء شخصيته، كما أنه ينبغي له أن يستفيد ببصره علما يهذب به نفسه، وينفع به مجتمعه.
فالمتقون غضّوا أبصارهم عمّا حرّم اللّه عليهم امتثالا لأمره تعالى ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِين يغُضُّوا مِنْ أبْصارِهِمْ ويحْفظُوا فُرُوجهُمْ ذلِك أزْكى لهُمْ إِنّ اللّه خبِيرٌ بِما يصْنعُون﴾([5])”.
وعن الإمام الصادق عليه السّلام: ” كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ ثلاثة أعين: عين غضّت عن محارم اللّه، وعين سهرت في طاعة اللّه، وعين بكت في جوف اللّيل من خشية اللّه”([6]).
عفة النفس
كما في خطبة وصف المتّقين. يقول عليه السلام عن المتقين “حاجاتهم خفيفة وأنفسهم عفيفة”
وفي رواية عنه عليه السلام: “ما المجاهد في سبيل الله بأعظم أجرا ممن قدر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملكا من الملائكة”([7])، وهذا الحديث ترجمة لحديث الجهاد الأكبر مع النفس التي تتجلى بصيانة النفس والتنزه عن الدنيا.
ومن أهم موارد العفاف: الطعام والشهوة. قال تعالى: “ومن كان غنِيّا فلْيسْتعْفِفْ”([8])، “ولْيسْتعْفِفِ الّذِين لا يجِدُون نِكاحا حتّى يُغْنِيهُمْ اللّهُ مِن فضْلِه”([9])، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: “أحبّ العفاف الى الله تعالى عفة البطن والفرج”([10]).
المتقون، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) النحل:97.
([2]) البقرة:273.
([3]) لقمان:6.
([4]) الشيخ الكليني- الكافي- دار الكتب الإسلامية، آخوندي- الطبعة الثالثة- ج6 ص434.
([5]) النور:30.
([6]) الشيخ الكليني- الكافي- دار الكتب الإسلامية، آخوندي- الطبعة الثالثة- ج2 ص80.
([7]) الريشهري- محمد محمدي- ميزان الحكمة- دار الحديث، الطبعة الأولى- ج1 ص20.
([8]) النساء:60.
([9]) النور:33.
([10]) الشيخ الكليني- الكافي- دار الكتب الإسلامية، آخوندي- الطبعة الثالثة- ج2 ص79.