Search
Close this search box.

ضرورة إرسال الأنبياء

ضرورة إرسال الأنبياء

ما هو الهدف من خلق الإنسان؟
وهل يمكن أن نستغني عن الوحي؟
ثمّ ما هو دور العقل؟

يعتبر بحث التوحيد الأساس لكل الأصول العقائدية الأخرى، وقد ثبت لدينا في الحلقات الماضية أن الله سبحانه مستجمع لكل الصفات الكمالية ومنزه عن كل نقص. فهو تعالى واحد لا شريك له، عادل لا يظلم أحداً، قادر على كل شيء، عليم حكيم لا يفعل العبث وهو بعد ذلك رحيم. والرحيم هو الذي يهدي مخلوقاته إلى السعادة الكبرى التي تنشدها والكمال الذي تسعى نحوه هذه المخلوقات.
وهذا الإنسان المخلوق العجيب الذي سخر له الله سبحانه وتعالى كل ما في الكون من نجوم وكواكب والأرض بما فيها من ماء ونبات وحيوان وتراب وغير ذلك. فما هو الهدف من خلقه؟

* الهدف من خلق الإنسان
لو نظرنا إلى النفس الإنسانية لوجدنا أنها تسعى لنيل كل كمال وبشكل مطلق. فالإنسان يسعى لأن يكون قوة مطلقة دون كلل أو ملل. إذ كلما حصل على نوع من القوة يسعى دائماً لما هو أعلى منها. فإذا كان يجمع المال الوفير أو يرتقي المناصب الرئاسية أو يُكثر من حوله الأنصار والأزلام، فإنه دائماً يسعى وبنشاط لا يفتر ليضاعف من أمواله أو يترقى في منصبه أو يجتمع حوله الأزلام أكثر. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أنه لا يريد قوة محدودة، بل مراده الأصلي ومقصوده الأوحد هو القوة المطلقة التي لا يشوبها ضعف أو عجز. وكثيراً ما يتمنى أن يكون ممّن “يقول للشيء كن فيكون”.

وكذلك الإنسان يسعى نحو العلم المطلق الذي لا يخالطه جهل، حتى أنه ليتمنى أن يعلم الغيب ويكون له علم الأولين والآخرين ولا يعزب عن علمه شيء البتة. ويتمنى أن يحيى حياة باقية دائمة لا موت فيها. فحب البقاء والخلود والفرار من الموت والفناء من أظهر الأمور الفطرية في النفس الإنسانية بحيث لا يمكن أن نجد إنساناً واحداً يخالف هذا الأمر. ولو دققنا النظر أكثر لعرفنا أن الإنسان إنما يسعى نحو القوة المطلقة والعلم المطلق والحياة الأبدية لما فيها من كمال وخير. فالإنسان يسعى نحو الكمال المطلق ليرتبط به، فيصبح الحقّ تعالى عينه ولسانه ويده.
إن الهدف من خلق الإنسان هو الوصول إلى الكمال المطلق وبقائه الدَّائم وهذه هي السعادة الحقيقية التي ينشدها. فالله سبحانه قد سخر للإنسان جميع ما في السماوات والأرض ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾. (لقمان/20)
وبالتالي فالإنسان هو المخلوق الأكمل والأفضل ويستحق أن يكون الكمال المطلق غايته، أي الكمال بالكامل، إذ ليس المقصود المطلق ذاتاً طبعاً.

* معرفة الطريق
لو نظرنا في هذه الحياة الدنيا نظرة بصير لوجدنا أن هذه الدنيا لا تشكل الحد الأدنى لطموح الإنسان. فهذه الدنيا الفانية هي متاع قليل وكل من عليها فإن ومحدود. ولذلك يجب أن تكون هناك حياة أخرى يصل فيها الإنسان إلى السعادة الحقيقية والكمال اللانهائي ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.(العنكبوت/64)
ولولا ذاك لم يكن تركيب النفس الإنسانية للوصول إلى الكمال المطلق متلائماً مع الحكمة الإلهية. فالحكمة تقتضي إمكانية الوصول إلى الهدف، وعدم وجود الحياة الآخرة يستلزم العبثية واللاهدفية وهو محال على الله الحكيم، كما ثبت في مبحث التوحيد.
والآن نسأل، بعد أن جعل الله الهدف من خلق الإنسان هو الكمال والسعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.
فهل يسّر هذا الإله الرحيم للإنسان سبيل التعرف على الطريق الموصل إلى الهدف المنشود أم لا؟

بديهي أن الله تعالى لمَّا كان رحيماً ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ (غافر/7)، والرحيم هو الذي يهدي المخلوقات إلى سعادتها وكمالها، فلا بد أن يكون قد أوضح معالم هذا الطريق، وبيّن معالمه بدقة، فهل حصل ذلك بالعقل وحده؟
يقول البعض: نحن نسلّم معكم بكل ما ذُكرتموه. فهو مبنيٌّ على مقدمتين لا ريب فيهما: إن الله كمال مطلق، والتدبر في النفس الإنسانية يدلّ على أنّها تنشد هذا الكمال، ولكن هذا لا يُحوجُنا للنبوة بالضرورة فالله سبحانه وهب لنا العقل وبه نستطيع اكتشاف معالم هذا الطريق الموصل إلى السعادة الحقيقية.
فأين تكمن ضرورة النبوة والوحي؟ وإلا فما هو دور نقول: من أجل معرفة الطريق الصحيح الموصل للكمال في كل أبعاده وجوانبه، لا بد من التعرف على مبدأ وجود الإنسان ومصيره، وعلاقاته بسائر الموجودات، والروابط التي يمكن له إقامتها وعقدها مع بني نوعه وسائر المخلوقات، وتأثير هذه الروابط والعلاقات المختلفة في سعادته وشقائه. وكذلك عليه أن يحدد نسب المنافع والمضار، ودرجات المصالح والمفاسد المختلفة ومقاديرها والموازنة بينها، لتحدد بذلك وظائف هذا العدد الكبير من البشر، الذين يتميزون بخصائص بدنية ونفسية متفاوتة ومتغايرة، وكل منهم يعيش ظروف طبيعية واجتماعية مختلفة.
ولكن الإحاطة بكل هذه الأمور لا تتيسر، ليس لفرد أو جماعة معينة فحسب، بل للآلاف من الجماعات المتخصصة في مختلف العلوم المرتبطة بالإنسان.
إن ما يلاحظ من مسيرة التغيرات في القوانين والدساتير التي وُضعت لتنظيم حياة البشر عبر التاريخ يؤكد على عدم الوصول وعدم إمكانية الوصول مستقبلاً إلى نظام قانوني صحيح وكامل وشامل يؤدي دور إيصال الإنسان إلى السعادة الحقيقية، مع العلم أن البشر كانوا دائماً يستفيدون من الشرائع السماوية والقوانين الإلهية ولكن حسب أهوائهم.

ثم إن جهود البشر تتوفر دائماً لتوفير المصالح الدنيوية والاجتماعية ولا يمكن لها النظر والاهتمام بتوفير المصالح الأخروية وملاحظة مدى علاقتها بالمصالح الدنيوية. فالمصالح المعنوية والأخروية لا تقبل التجربة الحسية، ولا يمكن تقويمها عن طريق التجربة. فأنّى لهم ومعرفة ذلك؟
هذا بالإضافة إلى أننا نعلم أن الإنسان البدائي كان أكثر عجزاً من إنسان عصرنا في تحديد الطريق الصحيح للحياة، وعلى فرض وصول إنسان عصرنا إلى نظام حقوقي صحيح وكامل وشامل، من خلال تجارب آلاف السنين. وعلى تقدير أن هذا النظام يتكفل بتوفير السعادة الأبدية والأخروية، فإن هذا السؤال يبقى ملحاً:
كيف يتلاءم إهمال الأجيال الكثيرة التي عاشت عبر التاريخ الطويل في ظلام جهلها مع الرحمة الإلهية ومع الحكمة الإلهية أيضاً؟

* ضرورة الوحي
إن الهدف من خلق الإنسان من البداية حتى النهاية لا يتحقق إلا بوجود طريق آخر غير الحس والعقل إذ أنَّ قصورهما بيّن لمعرفة النظام الأصلح، وهذا الطريق هو الوحي. فالوحي هو مجموع المعارف والقوانين الإلهية التي يوحي بها الله سبحانه إلى النبي لتكون دستوراً يهدي الناس إلى الكمال والسعادة في الدنيا والآخرة.
فبدون الوحي سوف تبقى أمور كثيرة مجهولة لدينا. والعلم الذي يأتي به الأنبياء عليهم السلام أبدي ويبقى ملازماً للإنسان لكن العلوم التي هي حاصل الفكر البشري إلى زوال. والإنسان يبقى ببقاء الروح، وهذه الروح تبقى بعد الموت، وهي تحتاج إلى العلم الأبدي والباقي مثلها. هذا العلم وهذه المعرفة هي التي تأتي عن طريق الوحي.

معرفة الله وصفاته وعدله أو معرفة الوحي والرسالة والولاية والعصمة، ومعرفة القيامة والجزاء والثواب والميزان والجنة والنار و… و… هذه العلوم هي دائماً موجودة، وهي التي تؤمّن سعادة الإنسان. إن علوم الناس تفنى بعد الموت ولا يبقى لها دور في سعادة الإنسان. فلا الطبيب يبقى طبيباً ولا المهندس يواجه بعد الموت ما ينبغي أن يخططه ويعدّه للبناء. لأن موضوع هذه القضايا ينتفي في ذلك العالم.
وعلى هذا الأساس، فإن العلوم التي تأتي عن طريق الوحي تبقى خالدة، وتزول العلوم التي كانت حصيلة الفكر البشري التجريبي ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ﴾. (النحل/96)

* ما هو دور العقل إذاً؟
أما دور العقل فهو ليس اكتشاف الطريق الصحيح والنظام الأكمل كما يتوهم البعض وإنما لتمييز الطريق الصحيح من الباطل. ونعم ما قيل “إن العقل مصباح وليس طريقاً” فالعقل له دور مهم للغاية وهو التعرف على الطريق الحق.

* فوائد أخرى للنبوة
لا تقتصر الحاجة إلى النبي على معرفة النظام الأصلح عبر الوحي. فوجود القدوة في العمل يعتبر من أهم العوامل المؤثرة في التربية وفي تكامل الإنسان ورشده، ولا تكفي معرفة النظام وحده في هذا المجال.
والأنبياء الإلهيون الذين يمثلون الإنسان الكامل يمارسون إلى جانب مهمة التعليم مهمة أخرى هي أعظم وأروع، وهي مهمة التزكية والتربية ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾. (الجمعة/2)
كذلك فإن الأنبياء الإلهيين يمارسون القيادة والتوجيه في المجالات الاجتماعية والسياسية والقضائية حينما تتوفر الظروف اللازمة لذلك.
وبديهي أن القائد المعصوم من أعظم النعم الإلهية للمجتمع دنياً وآخرة وهو خير من يقود الناس نحو كمالها المنشود.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل