Search
Close this search box.

احذر عدوّك: فتبينوا (2)

احذر عدوّك: فتبينوا (2)

لأنّه عالم يتسابق فيه الناس إلى نشر الأخبار والصور، وجب التحذير من مخاطره وانزلاقاته، التي قد لا تُحمد عُقباها. وفما يلي، تتمّة لما كنّا قد أثرناه في العدد السابق حول النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، إيماناً منّا بوجوب توخّي الدقّة والحذر قبل القيام بأيّ خطوة.

•كيف نتعامل مع الخبر بحسب القرآن؟
يخاطب الله عزّ وجلّ المؤمنين، ويعلّمهم ثلاثة أمور في مجال التعامل مع الأخبار:

1- عدم اتّباع أيّ خبر دون علم: قال سبحانه: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء: 36).

2- التبيّن من صدق الخبر: قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ (الحجرات: 6).

3- التحقّق إذا كان الخبر طيّباً وذا مصلحة: قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ (الأحزاب: 70). وقال تعالى: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ (الحج: 24).

علينا -خصوصاً في عصر تكنولوجيا المعلومات، والهواتف الذكيّة ووسائل ومواقع التواصل الاجتماعيّ، وسهولة نشر وانتقال المعلومات إلى كلّ نواحي الكرة الأرضيّة- عندما يأتينا خبر من أيّ شخص فاسق أو مجهول الحال أو من أيّ وسيلة أو جهةٍ كانت، أن نتأكّد من صحّة الخبر وصدقه، وأن لا نأخذ بهذا الخبر ونعمل بمضمونه، أو ننشره بأيّ وسيلة، سواء شفاهيّاً أو بالهاتف أو عبر مواقع الإنترنت أو وسائل التواصل، بل يجب:

أوّلاً: أن لا نأخذ بأيّ خبر من دون علم مصدره ومضمونه وصدقه، وأهدافه وصوابه وسلامته وطيبته؛ كي لا نُسأل عن ذلك يوم القيامة؛ لأنّ الله عزّ وجلّ أعطانا إمكانات ووسائل تحصيل العلم بالخبر.

ثانياً: أن نتبيّن ونتفحّص ونبحث عن مصدر الخبر إن كان صالحاً وموثوقاً أم لا؛ كي لا نتحمّل نتائج نشر الخبر الكاذب أو مجهول المصدر، وما يترتّب عليه من مفاسد أو خلافات أو إضرار بالناس أو إراقة دمائهم بسبب جهلنا وعدم تبيّننا وبحثنا وتفتيشنا؛ لكي لا نندم بعد ذلك في الدنيا والآخرة.

ثالثاً: أن نتأكّد من كون نشر الخبر والتحدّث به مع الآخرين فيه مصلحة ويسدّ حاجة لنا، وأن يكون طيّباً ذا هدف نبيل، حتّى ولو كان صحيحاً. فكثير من الأخبار الصحيحة، على الرغم من صحّتها، إلّا أنّ نتائجها سيّئة في الدنيا والآخرة، ولا يهتدي بها الإنسان إلى الطريق القويم الذي يوصل إلى النتائج القويمة. ويكون التحدث بها أمام الآخرين ونقلها محرّماً ومن الكبائر؛ لكونه غيبة أو نميمة أو بثّاً للتفرقة بين أفراد المجتمع وطبقاته وطوائفه، أو يكون كشفاً لمعلومات أمنيّة وعسكريّة للعدوّ عن إمكاناتنا وقوّاتنا وقِوانا، أو يكون إشاعة للفحشاء ونشراً للرذيلة.

عن الإمام عليّ عليه السلام: “كلّ شيء لا يحسن نشره أمانة، وإن لم يُستَكتم”(1)؛ أي وإن لم يطلب أحد منكم كتمانه. فقد يكون الخبر صحيحاً، ولكن لا يحسن نشره.

•التكتّم حول الأمور الخاصّة والشخصيّة
مع كثرة المعلومات الكاذبة وشيوع المعلومات المضرّة والمغرضة والمسيئة والمهينة للكرامات والمشيعة للفحشاء، والمفيدة للأعداء عن كلّ شؤوننا وإمكاناتنا وقدراتنا وثغراتنا ونقاط ضعفنا وقوّتنا، فإنّ التداول بأيّ معلومة من هذه الأمور على وسائل التواصل والهاتف لا بدّ من الحذر منه بشدّة، بل قد يكون التداول حتّى بالمعلومات الشخصيّة والتي يظنّ البعض أن نشرها عاديّ محرّماً في بعض الحالات أيضاً؛ لأنّنا كثيراً ما نظنّ خبراً أو صورةً أو فيلماً عاديّاً وغير مضرّ؛ ولكنّه يكون مفيداً للعدوّ والمتربّصين الذين يستفيدون منه أحسن الفائدة. عن الإمام عليّ عليه السلام: “ليس كلّ مكتوم يسوغ إظهاره لك، ولا كلّ معلوم يجوز أن تعلمه غيرك”(2).

ورد في استفتاء للإمام الخامنئيّ دام ظله : هل يجوز التحدّث أمام الناس عن الأسرار الشخصيّة وعن الأمور الخاصّة السريّة؟

يجيب: “لا يجوز كشف وإظهار الأمور الخاصّة الشخصيّة أمام الآخرين في ما إذا كانت مرتبطة بوجه ما بغيره أيضاً، أو كان موجباً لترتّب مفسدة”(3).

•المشاركة في إراقة دماء الشهداء!
إذا كان هذا هو حكم نشر المعلومات الشخصيّة، فالمعلومات غير الشخصيّة لا بدّ أن تكون أشدّ حذراً، فلا ينبغي التداول بها ونشرها بمجرّد أن رأيناها على وسائل التواصل أو سمعناها، بأيّ وجه كان، حتّى العاديّة منها وغير المضرّة، ما لم نعلم أنّ صاحبها يأذن بنشرها أو إعادة نشرها وتداولها صورةً كانت أم خبراً أم فيلماً، يزداد الحذر إن كان فيها إشاعة للفحشاء أو كشف أسرار الغير أو هتك حرمتهم، فإنّ ذلك من المحرّمات الشرعيّة، وتعظم الحرمة وتشتدّ إذا كانت المعلومات التي ينشرها المتصفّح مضرّة بأصحابها، أو أيّ معلومة ترتبط بالمجتمع الإسلاميّ وقدراته وقِواه.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: “إنّ أقلّ تقصير في مراعاة القواعد الأمنيّة هو معصية كبيرة، ومشاركة في إراقة دماء الشهداء وسائر الخسائر والنتائج التي تتبعها”.

إنّ نقل الأخبار عن المؤمنين وعن المجتمع الإسلاميّ التي تتسبّب بالضرر والخسارة لهم، وعن قدراته وإمكاناته العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة وغيرها، ونشرها على وسائل التواصل، هو بمثابة التجسّس لصالح العدوّ وإعانته، وإن كان التحدّث بها دون انتباه إلى أهميّتها وخطورتها.

•إرشادات عامّة
1- إنّ أخبار التواصل الاجتماعيّ مليئة بالقمامة، فلا ننشر القمامة ونلوّث صفحاتنا ومحادثاتنا وأنفسنا بها.

2- علينا أن نتعامل مع كلّ خبر على وسائل التواصل على خلفيّة المؤامرة، والأصل فيه أنّه كاذب ومضرّ.

3- قبل النشر، تحقّق من كلّ خبر وصورة وفيديو من خلال برامج مثل (google image أو search image).

4- الرجوع إلى مصدر الخبر، أو إلى اسم الشخص وبريده الإلكترونيّ.

5- استفد من المواقع العلميّة والثقافيّة الموثوقة لتحقيق الفائدة وتنمية الخبرات والمعرفة من وسائل التواصل.

6- لا تنشر أيّ خبر وصورة وفيديو قبل التأكّد من صحّته ووجود مصلحة في نشره.

7- لا تتصفّح المواقع التي لا فائدة للشخص من تصفّحها، والاقتصار على المواقع الضروريّة.

8- لا تتسرّع في التعامل مع الأخبار والصور والفيديوهات، وقدِّم الدقّة والتدقيق على التسرّع.

9- لا تساعد الناشطين المغرضين في نشر أخبارهم الكاذبة والمضرّة.

10- احرص على أن لا تكون مصدر معلومات للعدوّ، وأن لا تشارك عملاءه من خلال تقديم أيّ معلومة عن مجتمعنا ومصادر قوّته وضعفه.

•الحذر ثمّ الحذر
في الختام، نعود ونشدّد على ضرورة الحذر من أن نأخذ وننقل أو نتناقل كلّ ما يصلنا دون مراقبة الأعداء الذين يترصّدون ويتنصّتون وينتظرون، ويتحمّلون مسؤوليّة ما يُنزلونه بالمؤمنين من خسائر في الدنيا والآخرة، ودون انتباه ودقّة في نتائجه الخطيرة والمسيئة على المجتمع الإسلاميّ، ودون خوف من الله سبحانه وعقابه.

1.عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي، ص377.
2.شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج20، ص336.
3.استفتاءات الإمام الخامنئيّ دام ظله، س 315.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل