Search
Close this search box.

الخروج من أسر الشهوات

الخروج من أسر الشهوات

إنّ من أهمِّ الأسس الّتي يقوم عليها علم الأخلاق، ضبط الشهوات، بل هي لبُّ الأخلاق، لأنّ الأخلاق تقوم على ضبط الشهوات، بحيث تعتدل فلا تجنح لناحية التفريط، ولا الإفراط، بل تسلك الجادّة الوسطى الّتي حدّدتها الشريعة الإسلاميّة الغرّاء. ولا يقتصر الأمر في ضبط الشهوات على شهوة التناسل فحسب. بل يتعدّاها ليشمل كلّ الشهوات الأخرى، كالغضب، وحبِّ الانتقام، وشهوة البطن، وشهوة الجاه والمناصب وغيرها من الشهوات. لذلك وإلى هذا المعنى أشار سماحة الإمام الخامنئي دام ظله بقوله:

“أعزّائي…

 إنّ الإنسان في أسمى شكلٍ وأكمل حياة هو ذلك الإنسان الّذي يُمكنه التحرُّك في سبيل الله ويرضي الله عنه. والّذي لا تأسره شهواته، ذلك هو الإنسان السالم والكامل. أمّا الإنسان المادّيّ الّذي يقع أسير شهوته وغضبه وأهوائه النفسيّة وأحاسيسه فإنّه إنسان حقير. مهما كان كبيراً على الظاهر وله منصب.  فرئيس جمهوريّة أكبر دول العالَم الّتي تمتلك أكبر ثروات العالَم، إذا كان عاجزاً عن لجم شهواته وقمعها، وكان أسير طلباته النفسيّة. فإنّه إنسان وضيع، أمّا الإنسان الفقير الّذي يتمكن أنْ يتفوّق على شهواته، ويطوي الطريق الصحيح، أي طريق كمال الإنسان وطريق الله. فإنّه إنسانٌ عظيم”([1]).

لقد كان للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم

أسلوبٌ خاصٌّ في تأهيل المجتمع ليُصبح مجتمعاً أخلاقيّاً، ولعلّ هذا الأسلوب هو الأسلوب الأنجع.

والأكثر تأثيراً في كلِّ الأساليب التبليغيّة، وهو يتمثّل بتقديم النصيحة الأخلاقيّة من خلال العمل بها. وليس من خلال الخطب والشعارات أو وسائل الدعاية فقط. بالإضافة إلى ذلك يقول سماحة الإمام الخامنئي دام ظله:

“الأمر الّذي يستوقفني اليوم في بحثِ حياةِ الرَسُولِ الأكرَم صلى الله عليه وآله وسلم هو أنَّ نبيَّ الإسلام سعى لتثبيت القيم والأخلاقِ الإسلاميّةِ بشكلٍ كامل في المجتمع.

ولتمتزج بروح الناس وعقائدهم وحياتهم وتختلط فيها، لذلك كان الرسول الأكرم يقوم بتعطير جوّ الحياة بالقيم الإسلاميّة.

فقد يُصدر الإنسانُ أوامر أو يُوجِّه توصيات، كأنْ ينصح الناس ويُعلّمهم ويأمرهم ويوصيهم بحسن الخُلق والعفو والصبر والاستقامة في سبيل الله وعدم الظلم والسعي لإقامة العدل والقسط.

وعلى رغم أنّ ذلك أمر لازم.

لكنّ نبيّ الإسلام كان يُعلّمهم دروس المعرفة والحياة، لقد كان يُمارس التعليم من جهة، ويُنفِّذ ذلك في سيرته.

لذلك فمن أجل تثبيت هذه الأخلاق والواجبات الإسلاميّة في المجتمع كان يواجه العقائد الخاطئة للناس.

ويُحارب الأحاسيس الجاهليّة ورواسب الأخلاق غير الإسلاميّة ويواجهها، ويُعطي المجتمع شحنات، ويمارس في المناسبات وبأسلوب مناسب الصفة والأخلاق والأسلوب الحسن بشكلٍ كامل.

وبالتالي إذا أراد أيُّ مجتمع أنْ يتطوّر وأنْ يوجد الأخلاق الإسلاميّة الصحيحة في محيطه. فإنّه يحتاج إلى هذا الأسلوب .

 لعلّ المقصود من التزكية الّتي ذُكرت في عدّة آيات قرآنية، بتعبير “يُزَكِّيهِم” بعد عبارة “يُعَلِّمُهُمُ” أو قبلها.لعلّ المقصود في هذه الآيات هو هذا، أي تنقية وتطهير وتزيين الناس، كالطبيب الّذي لا يكتفي بتوصية مريضه أنْ يفعل كذا وكذا، بل يضعه في مكانٍ خاصٍّ، ويُعطيه ما يلزمه من دواء وعلاج، ويُخرج منه ما يضرّه. هكذا كان وضع النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وهذا أسلوبه طوال ثلاثة وعشرين عاماً من نبوّته. وخصوصاً خلال السنوات العشر الّتي عاشها في المدينة ومرحلة حكم الإسلام وتشكيل الحكومة الإسلاميّة”([2]).

توجيهات أخلاقية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) من خطبة الجمعة (1/2/1997م(.
([2]) حديث الولاية,ج2، ص241.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل