Search
Close this search box.

الحرب الناعمة

الحرب الناعمة

مصطلحٌ جديدٌ في الاستعمال العالميّ، لم يكن مألوفاً في الأذهان على الرغم من وجود مصطلحات مشابهة، منها: حرب الأعصاب، الحرب الباردة، حرب الإرادات، حرب المعنويّات، حرب الكلمات والمعتقدات، حرب الأيديولوجيّات، الغزو الثقافيّ والفكريّ… وغيرها. ولكن أكثر المصطلحات رواجاً في الساحة الإعلاميّة والأكاديميّة والعسكريّة هي الحرب النفسيّة والدعائيّة.

والحرب الناعمة أسلوبُ تستخدم فيه القوّة الناعمة، التي عرّفها جوزيف ناي[1] بأنّها: “القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبيّة بدلاً عن الإرغام”[2]. وفي كلام آخر يقول عن هذه القوّة إنّها تعني: “التلاعب وكسب النقاط على حساب جدول أعمال الآخرين، دون أن تظهر بصمات هذا التلاعب، وفي نفس الوقت منع الآخرين من التعبير عن جدول أعمالهم وتفضيلاتهم وتصوّراتهم الخاصّة، وهي علاقات جذب وطرد وكراهية وحسد وإعجاب”[3].

وجوزيف ناي من أبرز الشخصيّات الأمريكيّة الذين كتبوا عن هذا الموضوع حديثاً، وأصدر كتاباً بعنوان “القوّة الناعمة”.

موارد القوّة الناعمة:

تدور  موارد القوّة الناعمة حول محاور ثلاثة[4]:

الأول: “تعزيز القيم والمؤسّسات الأميركيّة، وإضعاف موارد منافسيها وأعدائها”.

الثاني: “توسيع مساحة وجاذبيّة الرموز الثقافيّة والتجاريّة والإعلاميّة والعلميّة الأميركيّة وتقليص نفوذ منافسيها وأعدائها”.

الثالث: “بسط وتحسين وتلميع جاذبيّة أميركا وصورتها وتثبيت شرعيّة سياساتها الخارجيّة، وصدقيّة تعاملاتها وسلوكيّاتها الدوليّة، وضرب سياسات أعدائها”.

 يلجأ العدو إلى القوّة الناعمة لتخريب مجتمعاتنا، وذلك من خلال تأسيس قيم جديدة على حساب قيمنا، فيندفع الأفراد إلى تصديقها وتنفيذها بشكل طبيعيّ، ما يؤدّي إلى تعديل سلوكهم تبعاً  لها. وهكذا نتحوّل إلى أتباع بدل أن نكون مستقلين وأصحاب قرار. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف وتثبيت القيم، تستفيد القوّة الناعمة من كلّ المؤثّرات والرموز البصريّة والإعلاميّة والثقافيّة والأكاديميّة والبحثيّة والتجاريّة والعلاقات العامّة والدبلوماسيّة.

 الحرب الناعمة والحرب النفسيّة: تشابه أم اختلاف[5]؟!

 في الواقع ثمّة اختلاف بين الحرب النّاعمة والحرب النفسيّة؛ إذ إنّ الحرب النّاعمة تركِّز بأساليبها على الاستمالة والإغواء والجذب، دون أن تظهر للعيان، ودون أن تترك أيّ بصمات. في حين تركِّز الحرب النفسية والدعاية على إرغام العدو وتدمير إرادته ومعنويّاته بصورة شبه مباشرة وعلنيّة.

إنَّ الوسائط والأدوات المستخدمة اليوم في الحرب الناعمة متوفّرة وفي متناول الجميع دون استثناء، ودخلت إلى كلّ البيوت وعلى مدار ساعات اليوم، في حين أنَّ الحرب النفسية توجَّه بشكل أساس نحو كتلٍ منظّمة ومتراصّة ومتماسكة وصلبة، مثل: الجيوش والحكومات والمنظّمات التي تسيطر وتهيمن على وعي الرأي العام بصورة كليّة؛ من خلال إضعاف الرأس والقدرة والحكام  وتماسك الجماعة.

هذا الفرق يبيّن أنّ القوّة الناعمة يمكن أن تدخل إلى كلّ تفاصيل حياتنا؛ بدءًا من الأطفال وانتهاءً بالشيوخ، ومن دون تمييزٍ بين الرجال والنساء.

كيفية مواجهة الحرب الناعمة[6]؟

الحرب الناعمة حالة تخريبيّة تقضي -وقبل أيّ شيء آخر- على قيم المجموعة؛ لذلك لا بد من النهوض للمواجهة. وبما أنّ أساليب الحرب الناعمة كثيرة ومتعددة، فلا بدّ أن تكون أساليب المواجهة كثيرة ومتعددة أيضاً.

ويمكن الحديث في أساليب المواجهة عن نوعين:

الأوّل: تأسيسيّ يهدف الى تحصين ساحة الفرد والمجتمع.

والثاني: يراد منه الحؤول دون تأثير الأساليب التي يستعملها العدوّ، وهذا الأمر يتطلب تتبّع مخطّطات العدوّ والكشف عنها، ومن ثم التفكير في طريقة الرد.

وبشكلٍ عام، فإنّ العامل الأساس في هذه الأساليب هو العمل على تعميق تديّن الفرد وتعميق ثقافته وزيادة الوعي والبصيرة لديه، ولا معنى لمواجهة الحرب الناعمة دون هذا العامل، حيث ستكون كافة المحاولات عبثيّة لا فائدة منها.

نشير باختصار إلى سُبل يمكن اعتمادها لمواجهة هذه الحرب:

ـ  الاقتناع والإيمان بأصل وجود الحرب الناعمة وديمومتها. والفهم العميق لطبيعتها ولآليّات واستراتيجيّات وتكتيكات عملها.

* اكتشاف وتلمّس المخطّطات ورؤية عمل  العدوّ.

ـ  الفهم الصحيح والتفصيليّ لآليّات عمل الحرب الناعمة.

ـالوحدة والانسجام ضرورة لإفشال مخطّطات الحرب الناعمة.

* البصيرة والتشخيص الدقيق للقضايا والأحداث.

ـ  الحضور في الساحة، والعمل على تقديم الصورة المشرقة للنظام الإسلاميّ وتلبية الاحتياجات الماديّة والمعنويّة المتوازنة التي تحقّق كرامة الشعب، ومواصلة تطوير جاذبية البرامج والخطط والمناهج وفق رؤية إبداعيّة اجتهاديّة منفتحة تلتزم الموازين والمعايير الإسلاميّة.

* معرفة أهداف الحرب الناعمة، وكشفها؛ لأنّ ذلك من العوامل المهمّة لإحباطها.

ـ تطوير كفاءة الإعلام الإسلاميّ وصناعة النموذج البديل.

* العمل على أسلمة التعليم الجامعيّ وعصرنته.

ـ  الترويج لسياسة الاستهلاك البعيد عن الإسراف والتبذير والكماليّات والشكليّات.

* تقديم صورة موّحدة وواضحة عن الأفكار والعقائد والسلوكيّات والقيم المطلوبة في المجتمع.

ـ محاولة النفوذ إلى المنظومة القيميّة والفكريّة والثقافيّة للعدوّ والعمل على التأثير فيها.

  • تحصين الساحة الداخليّة أمام الانحرافات.

النتيجة:

ـ  الحرب الناعمة، باعتبارها أحد أشكال الحرب هي عمل هادف عمديّ ومخطط له مسبقاً.

* هذه الحرب ناعمة وليست خشنة.

ـ العناوين الأساسيّة لهذه الحرب عبارة عن: التأثير على الأفكار والرؤى الأساسيّة، والتأثير على الميول والقيم والنماذج السلوكيّة المقبولة عند البلد المستهدف.

* الهدف النهائيّ للتأثير هو: تغيير الهويّة الثقافيّة وتخريب النموذج السياسيّ الموجود، والدفع باتجاه العصيان المدنيّ.

—————————-

[1]-  نائب وزير الدفاع الأمريكيّ السابق، ومدير مجلس المخابرات الوطنيّ الأمريكيّ، وعميد كليّة الدراسات الحكوميّة في جامعة هارفرد، وهو من أهم المخططين الاستراتيجيّين الأمريكيّين في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين.

[2]-  جوزيف ناي، القوّة الناعمة، مكتبة العبيكان، ص: 12.

[3]-  جوزيف ناي، القوّة الناعمة، مكتبة العبيكان، ص: 34/ 70.

[4]-  يراجع:  مركز قيم، كتاب رؤية الإمام الخامنئيّ في مواجهة الحرب الناعمة، ص: 46.

[5]-  يراجع: مركز قيم للدراسات، كيف نواجه الحرب الناعمة، ط1، جمعيّة المعارف، بيروت، 2012م،  ص: 9-10.

[6]- يراجع: مركز الحرب الناعمة للدراسات، مدخل إلى الحرب الناعمة، ط1، جمعيّة المعارف، بيروت، 2014م، ص: 43-50.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل