Search
Close this search box.

تقنين الفساد والإفساد

تقنين الفساد والإفساد

الحسین أحمد کریمو

ما نراه الیوم وفی هذا العصر الرقمي، والحضارة التي یظهرونها علی أنها عظیمة وعملاقة وأنها أقدار البشر التي لا ینفکون منها، وهي آخر ما توصل إلیه الإنسان في رحلته التي استغرقت حوالي عشرة ملایین سنة، فأثبتت تفوُّق الإنسان الغربي بنسختیه الأوربیة الأصلیة، والأمریکیة الفرعیة، ونظامهم اللیبرالي، والنیو لیبرالي، والحداثة وما بعدها فهي النظام الأمثل للحکم، ویجب أن یخضع جمیع شعوب وأمم العالم لهم بما توصَّلوا إلیه من ثقافة، وسیاسة، واقتصاد، واجتماع، وحتی أفکار وأزیاء وکل شيء توصلت إلیه شعوبهم من نتائج في الحضارة الرقمیة.

والآن نری بأمِّ العین، ونسمع بملء الأذن کل هذه الدَّعوات التي تنطلق من حناجر نشاز بأصوات نشاز ترید أن تشرعن الفساد في الأرض. والعجیب الغریب أنهم یریدون تقنینه وفرضه علی الشعوب والأمم بالقوة تارة. وبالمکر والخدیعة تارة أخری، وبالکذب والدَّجل المعلن بکل وقاحة. وذلك لأن السِّمة العامَّة لهذا العصر صار الدَّجل حتی وصفه أهل الفکر والعقل بأنه عصر الدَّجل المفضوح. ولکن کثرة الکذب وتکراره یَظهر إلی العَلن کأنه صدق وواقع والکل یعلم بأنه مجرد کذب، ولعب. وضحك علی الذقون کما یقال عندنا.

وربنا سبحانه وتعالی قال قبل قرون مضت من الزمن: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41). فظهور الفساد في کل شيء أمر متوقع من خلال المسیرة البشریة منذ نبي الله آدم (ع) لأن الشیطان یعمل بهم. ویشتغل علیهم، وهم سلَّموا أنفسهم إلیه. فراح یقودهم إلی دمارهم. لأنه العدو اللَّدود لهم من قبل أن یخلقوا في هذه النَّشأة الدُّنیویة.

فظهور الفساد فی البرِّ من أعظم الأخطار التي یتعرَّض لها سکان البَّر کالبشر. والحیوانات، والطیور، فكثیر من هذه المخلوقات الآن تتعرَّض إلی خطر الإنقراض کما انقرضت الدیناصورات من قبل. وأما الغطاء النباتي، وکل أنواع الأشجار لا سیما في الغابات العالمیة التی یسمُّونها الرِّئة التی تتنفس منها الکرة الأرضیة الأکسجین فهي علی خطر عظیم، وکل ما نعانیه مما یُسمُّونه بالدِّفئیة، وارتفاع درجة حرارة الکرة الأرضیة، وذوبان الثلوج، وانثقاب طبقة الأوزون. وکل هذا وغیره ممَّا صرنا نعیش آثاره في حیاتنا وواقعنا جمیعاً نتیجة طبیعیة لفساد البَّر في الأرض؛ وأما العمل علی انقراض البشر فیجري علی قدم وساق. لما تطمح له دوائر الاستکبار العالمي لقتل خمسة من سبعة کما یأمرهم التوراة والتلمود. الذی صار الدستور النافذ لکل النظام العالمي الجدید بکل ما فیه من نواقص وکوارث.

فظهور الفساد یعني وضوحه واشتهاره حتی لا یخفی علی أحد من البشر الأسویاء. والمشکلة لیس هنا حیث ظهر الفساد فی کل شیء من حیاة البشر. فالمشکلة الحقیقیة تکمن في إفساد فطرة البشر. وذلك یتمُّ بتقنین الفساد في المجتمع لیکون الفساد محمیَّاً بقوة القانون. ویصیر الصَّلاح والإصلاح هو الخارج عن القانون ومَنْ یأمر بهما یکون متَّهماً بالرَّجعیة أولاً. ثم یُلاحق من الحکومات الفاسدة المکلفة بتطبیق القانون الذی یشرعِن الفساد ویجرِّم الصَّلاح في المجتمعات.

فالعالم المتحضِّر الیوم، وأصحاب الحضارة الرقمیة صاروا یتباهون ویتسابقون مَن یُفسد أکثر، أو یتجرَّأ علی الظُّهور وإظهار ما هو علیه من الفساد والإفساد في نفسه ومجتمعه والناس والحیاة من حوله، وهذه النقطة الجوهریة هي التي تحتاج من أهل الفکر والثقافة والأدب أن ینتبهوا إلیها ویُعالجونها بکل ما لدیهم من قوة وأقلام وأفکار وآداب وأشعار لیوقفوا هذا السَّیل الجارف الذی اجتاح الغرب وصار یُهدِّدنا في قعر بیوتنا ومخادعنا ولا خلاص لنا إلا بالتَّخندق خلف دیننا وقرآننا وما فیه من قیم وفضائل ونظام اجتماعي راقي جداً متلازماً ذلك بالتطبیق العملي في السیرة النبویة العطرة والولائیة المبارکة لنوقف هذا البلاء الدَّاهم بقوة الدَّجل العالمي المقنَّن.

 ولا أحد یستطیع إیقاف هذا البلاء لنفسه، وحتی یدفعه عن أهله إلا بتضافر کل الجهود الخیِّره، والأفکار النیرِّة، متوکلین علی الله تعالی الذي بیده مقالید الأمور کلها، لأن الله تعالی وحده هو الذی یغیِّر أمورنا إلی الأحسن والأصلح، ولکن بشرطها وشروطها التي قالها وبیَّنها في کتابه الحکیم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد :۱۱). فالمعادلة واضحة، والبلاء واقع وقادم، بل والقادم قاتم لا سمح الله.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل