في منزل الشهيد رازميك داووديان
في تاريخ 25/12/1997م
الشهيد رازميك داووديان
مكان الاستشهاد: عَبَدان، خوزستان
تاريخ الاستشهاد: 17/05/1981م
منذ سنوات الطفولة، وحتّى هذا اليوم الّذي أصبح فيه عندي طفل بعمر الرابعة، كنتُ وما زلتُ ألتفتُ إلى ثقل نظرات النّاس. أستشعرُ جيّدًا نظرات النّاس، وأزن نظراتهم الرحيمة والغضوبة والحقودة.
والآن، أيضًا في غسق هذا الليل، أستشعر بشكل قويّ وزن النظرة المشبوهة لهذا الرجل الشابّ! تشغلني نظرته حتّى أصل إلى منزل والد زوجتي. وحين أصل إلى باب المنزل، أرى رجلًا آخر يشبه بشكل كبير ذاك الرجل في أول الزقاق واقفًا أمام الباب.
أقف، أسلّم عليه وأسأل: “عفوًا هل تريدون شيئًا حتّى وقفتم هنا؟ أتحتاجون إلى مساعدة؟”
يقول: “أنتم من أهل هذا المنزل؟”
– نعم.
– يعني حضرتكم من آل داووديان؟
– داووديان عائلة زوجتي وهنا منزل والدها،(عمّي).
يفتح لي باب المنزل ويقول: “لا تؤاخذني، تفضّل إلى الداخل”.
– ولكنّك لم تعرّفني بنفسك!
– نحن ضيوف عمّك. تفضّلوا إلى الداخل لو سمحتم.
– إذا كُنتَ ضيفًا فلماذا أنت واقف هنا؟
– تفضّل إلى الداخل وستعرف بنفسك.
أدخل إلى المنزل: “ما هذا الضيف العجيب والغريب! حسناً لو كان ضيفًا لماذا يقف كالحرّاس أمام الباب؟
وفيما أصعد الدرج وأصل إلى الطابق الثاني، أرى رجلًا آخر يقف أمام الباب. لا بدّ أنّه ضيف أيضاً! أسلّم وأسأل بتهكّم: “هل يمكنني الدخول؟”
– ألكم شأن في هذا المنزل؟
– نعم لديّ شأن في هذا المنزل.
– حضرتكم السيّد داووديان؟
– كلّا، أنا صهر السيّد داووديان!
– نعم نعم! عفوًا. تفضّلوا إلى الداخل.
أدخل إلى المنزل لأرى ثلاثة رجال غرباء في الداخل، وزوجتي هايكانوش واقفة إلى جانب والدها.
تمشي هايكانوش صوبي، تلقي السلام وترحّب بي.
– ما الخبر؟ ألدينا ضيوف؟
وقبل أن تجيب هايكانوش يعرّفني والدها من على بعد مترَيْن أو ثلاثة بصوت عال إلى أولئك الرجال الغرباء: هذا هو صهري آفانِس!
ثمّ ينظر إليّ: آفانِس! السادة قد أتوا ليطرحوا عدّة أسئلة حول رازميك.
وبمجرّد أن يأتي على اسم رازميك، وفي لحظة واحدة، تتداعى في ذهني كلّ تلك الأحداث الغريبة الّتي صادفتُها منذ عدّة دقائق: النظرات المشبوهة، الحرّاس، الأسئلة والأجوبة.
فجأة، تلمع في ذهني المسألة، وبلا وعي کما النيام، أتقدّم خطوات عدّة نحو الضيوف. يسلّمون، لكنّني بدل أن أردّ السلام، أسأل: “هل من المقرّر أن يشرّفنا السيّد الخامنئي؟!”
سقى الله تلك الليلة! كم كانت استثنائيّة. في تلك اللّيلة التي مرّ عليها حتى الآن خمس سنوات لم أكن قد تزوّجت بعد أو حتى تعرّفت إلى هايكانوش. كانت سنة اثنتَيْن وتسعين، قبل خمس سنوات. كان من المقرّر أن يأتَينا ضيف، وقد اتصلوا بأخي الأكبر وسألوا إن كان من المتيسّر استقبالهم لمدّة نصف ساعة لأجل المباركة بعيد الميلاد. أذكر عندما أتوا، في البداية رحنا نفكّر لماذا يتصرّف هؤلاء الضيوف بغرابة، ولكن فيما بعد عندما حضر السيّد الخامنئي فهمنا ما كان يجري[1].
أوضّح لفريق الحماية كيف فهمت أنّ الضيف الأساسي لهذه الليلة هو السيّد الخامنئي. وهم في المقابل لا يخفون الأمر، كانوا يريدون أن يبيّنوا لنا أصل القضيّة قبل مجيء السيّد بلحظات فقط، ولكن الآن، وبسبب تجربتي السابقة انكشف الأمر قبل الوقت المحدّد.
حالما يعلم والدا هايكانوش بأنّ السيّد الخامنئي سيكون زائرهم اللّيلة، يسرعان إلى باب الباحة الخارجيّة للمنزل لاستقباله واصطحابه من هناك إلى الداخل. يصرّ فريق الحماية أن ينتظرا داخل المنزل لكنّهما يرفضان.
وأرافق أنا عمّي وزوجته. وبعد دقيقة انتظار أو دقيقتَيْن داخل الباحة الخارجية للمنزل، يفتح الباب ويدخل سماحته. يسلّم علينا جميعًا سلامًا حارًّا، ثم يطلب من أبي هايكانوش وأمّها أن يتقدّماه في المسير، لكنّهما يرفضان، فيبدأ السيّد بصعود الدرج ونحن خلفه حتّى نصل إلى داخل المنزل. وهناك أمام المدخل، يلقي التحية على هايكانوش ويسألها والبسمة تعلو وجهه عن أحوالها. ترحّب هايكانوش به بدورها، وتتمنّى عليه أن يتفضّل للجلوس على الكنبات في غرفة الاستقبال. قبل أن يجلس ينظر السيّد الخامنئي إلى والد ووالدة الشهيد قائلًا: “تفضّلا اجلسا هنا بجانبي”، ويفعلان.
يبارك لنا السيّد الخامنئي عيد الميلاد، ويسأل عن رازميك وتاريخ ومكان استشهاده، وكيفية وصول خبر شهادته إلى العائلة. ويشرح والد رازميك ونوضّح أنا وهايكانوش كلّما خانت الوالد الذاكرة.
تغمّده الله برحمته، لقد عقد رازميك العزم على الذهاب إلى الجبهة من بداية الحرب. وكان أكثر وجوده في الجبهة في مدينتَيْ عَبادان وخرّمشهر[2]. كان جنديًا في المشاة، وفي أواخر شهر أيار سنة إحدى وثمانين، وخلال المواجهات المباشرة مع الجيش العراقيّ، يصاب رازميك برصاصات في كتفه وصدره، ويرتفع شهيدًا.
كان رازميك ناشطًا فعّالًا في ما يتعلّق بنضالات الثورة. في تلك الأيام التي آلت إلى الثورة الإسلاميّة، لم يكن يعرف ليلًا من نهار. كان في حراك دائم لأجل تنظيم المظاهرات المناهضة للنظام البهلويّ. وبعد انتصار الثورة صار عضوًا في لجان محلّة “مجيديّة” في طهران، وکان لمدّة خمسة عشر شهرًا بتمامها في لجنة الحرس الثوري.
في أوّل مرّة ذهب فيها للالتحاق بالعسكر، قالوا له: “اذهب الآن وعدْ بعد أربعة شهور، إذ لم يحن وقت خدمتك بعد”. لكنّ رازميك أصرّ أن يذهب إلى الجبهة بأسرع وقت ممكن، وشرح لهم أنّه لا طاقة لديه للصبر مدّة أربعة شهور. ولمّا رأوا شدّة إصراره على الذهاب وافقوا وتقرّر ذهابه في غد ذلك اليوم. طوال سنة كاملة بضعة شهور، لم يستأذن رازميك من خدمته العسكريّة إلّا ثلاث مرّات. وكان في كلّ مرّة منها يتعجّل العودة إلى الجبهة في وقت أبكر بأيّام عدّة من موعد رجوعه. كان يقول: “قلبي يغلي ولا طاقة لي على الابتعاد عن الجبهة. العدوّ رابض على ترابنا ومن الخيانة أن ينأى المرء بنفسه ويلقي عن كاهله ثقل المسؤوليّة”.
كانت آخر مأذونيّة له في شهر نيسان من سنة 1981م. وقد أذنوا له أن يأتي إلى طهران للاحتفال بعيد الفصح مع عائلته، وكان قد وصل إلى طهران قبل العيد بأيام عدّة . لكنّه وقبل حلول العيد عاد إلى الجبهة، ومن هناك أرسل تبريكاته إلى أفراد عائلته ضمن رسالةٍ
كانت الأخيرة:
“أبي وأمّي العزيزَيْن، كيف حالكما؟ بعد السلام أتمنّى أن تكونوا جميعاً بخير، وأن لا يجد الحزن إلى حياتكم سبيلًا. إذا كنتم تريدون الاطمئنان عنّي فأنا في الواقع حيٌّ أرزق، وأعيش على أمل اللّقاء بكم مرّة أخرى.
والدي الحبيب، أبارك لك حلول عيد الفصح، ولكلّ العائلة الكريمة. وأتمنّى أن تكون الآن وفي المستقبل موفّقًا ومنتصِرًا. أبي الحبيب، لقد مضى على مجيئنا إلى عبادان عدّة أيام. الطقس هنا حارٌّ ومؤذٍ قليلًا. لكن مهما ساءت أحوالنا. فإنّها تمضي ويمكن تجاوزها، لأنّ هؤلاء الناس وهذا الشعب المحروم هو في أمسّ الحاجة إلينا.
والدتي الحبيبة، كيف حالك؟ لا تقلقي عليّ فأنا بصّحة وعافية، على أمل اللّقاء بك واحتضانك مجدّداً لأشعر أنّني أسعد إنسان في الدنيا.
والدي الحبيب، أَوصل سلامي إلى إخوتي: هروس، ناريمان، جانيك، هراند، آندره. أرجو أن يستمتعوا بهذا العيد كثيراً. أبارك لهم من جهتي، وأتمنّى أن يهتمّ آندره وهراند بدراستهما، فشهر حزيران على الأبواب وينبغي أن يبذلا أقصى ما في وسعهما لينالا التوفيق. نحن، في النهاية، نقاتل هنا حتى يتمكّنوا هم من مواصلة الدراسة، ويكونوا قوّة إنسانية فعّالة لهذا البلد.
أرسلْ سلامي أيضًا إلى أختي الحنونة روزيك، وإلى أختي الغالية هايكانوش. أتمنّى أن تهتمّي بدراستك وتنالي التوفيق. أوصلوا سلامي إلى جميع الأقارب والرفاق”.
أحيّي جميع أقاربي ورفاقي
مكان حسين خالٍ في هذا اللّقاء. كان حسين لا يزال صغيراً عندما استشهد رازميك. لقد استشهد أبوه في الأيّام الأولى للحرب، وكان رازميك يحضره دائماً إلى منزلنا ويلعب معه. في إحدى المرّات، سأله أخوه الكبير: “لماذا تجلب هذا الصبيّ إلى منزلنا بهذا القدر؟”، أجاب رازميك: “ليس لديه أب واليتمُ صعب جدًّا وثقيل”. والآن، ورغم مرور خمس عشرة سنة على شهادة رازميك، ما زال حسين المسلم، والّذي بات متزوّجاً ولديه أولاد يأتي إلى المنزل ليزور والدة رازميك. ليته هو أيضًا كان هنا، وتكلّم عن قرب مع السيّد الخامنئي عن رازميك.
تقف هايكانوش وتضع بين يديّ السيّد الخامنئي ألبوماً كانت قد أعدّته هي بمنتهى الدقّة والإتقان حول رازميك. يتأثّر “السيّد” من سماع أخبار رازميك، ومن طريقة استشهاده، ويبدأ بتصفّح الألبوم.
توجد في هذا الألبوم، بالإضافة إلى صور رازميك في مختلف مراحل حياته. وصيّته ومدوّناته. كانت هايكانوش أيضًا قد جمعت قصاصات الجرائد الّتي كتبت حول شهادته ووضعتها في الألبوم بشكل مرتّب.
يطول نظر “السيّد” ومطالعته للألبوم لعدّة دقائق. لديه إلى هذا الحدّ الجَلَد على مشاهدة صور الألبوم صفحة صفحة والتمعّن في قصاصاته، وكأنّما هو منشغل بقراءة مواضيع غاية في الأهمّية. يطول وقوفه أكثر عند صفحة وضعت فيها وصيّة رازميك. من الواضح أنّه يقرؤها كلمة كلمة بمنتهى الدقّة:
“إخوتي المواطنون الأعزّاء. لقد قدّمتُ نفسي فداءً لحرّية الوطن. الأصدقاء الأعزّاء، لا تحزنوا لشهادتي فأنا ومنذ الأيّام الأولى للثورة جعلت هدفي تقديم نفسي لأجل الوطن والحرّية. وقد نلتُ هذا الفخر وأنا أرتدي اللّباس العسكريّ عسى أن يذكر اسمي إلى جانب أسماء عاشقي الوطن. إنّني أنتظر من جميع الإيرانيّّين الشجعان والأرمن المؤمنين والوطنيّين الشرفاء أن يسيروا على دربي لأجل حرّية الوطن”.
يهزّ السيّد الخامنئي رأسه عدّة مرّات على إثر مشاهدة الألبوم وقراءة الوصيّة. ثم يكرّر بلحن الثناء والإعجاب اسم رازميك عدّة مرّات، “رازميك… رازميك”.
نوضح أنا وهايكانوش معاً معنى اسم رازميك، أقول: كلمة رازميك تعني رجل الحرب.
تصحّح لي هَايكانوش: معنى الشهيد والشجاعة.
أقول: القتال.
تقول هايكانوش: المقاتل.
ويجول القائد الخامنئي بنظره بيني وبين هايكانوش فيما نوضّح، فيؤيّد رأي “المقاتل” ويقول: إذاً للاسم مع اللّغة الفارسية جذر مشترك.
لقد ذكر “السيّد” ملاحظة بسيطة ولافتة، لم أكن قد دقّقتُ فيها من قبل: رازميك بالأرمنيّة ورزمنده بالفارسيّة، كلاهما يتشكّلان من أصل ثلاثي واحد هو “رزم”، بمعنى القتال فجذرهما واحد.
يصل الكلام إلى هنا، فيسألني “السيّد” ويسأل هايكانوش عن اللّغة الأرمنيّة والخطّ الأرمنيّ، عن مقدار معرفتنا بهما، وعن عدد حروف اللّغة الأرمنيّة وأمثال هذه الأمور. وعندما أوضّح أنّ ألف باء الأرمنيّة تتألّف من ثمانية وثلاثين حرفاً، وأبيّن اختلافها عن الألف باء الفارسيّة، يقول إنّ الحروف الإضافيّة في الألف باء الأرمنيّة موجودةٌ أيضاً في بعض اللّهجات القومية الإيرانيّة. مثلاً، في اللّهجة الأصفهانيّة والآذريّة والبهبهانيّة، ويُقدّم عدّة شواهد مثالاً.
تقول هيكانوش باستغراب: “كثيرٌ من الأمور الّتي تدلي بها لا يعلمها أحد أيّها السيّد الخامنئي”.
وبينما يجري تقديم الشاي، أتذكّر لقاء القائد الخامنئي في منزلنا، حيث كانت أمّي قد أعدّت بدل الشاي العادي، شاياً بالقرفة. في ذلك اللّقاء، ورغم أنّ تناول القرفة لم يكن مفيداً بحسب الظاهر بالنسبة إلى السيّد، لكنّه شربه بكامل الرضى. وأتذكّر حينما علم أهل المحلّة والأصدقاء والمعارف والعائلة أنّ القائد قد جاء إلى منزلنا، كم تحسّروا على أنفسهم لعدم لقائه. أذكر أن أكثرهم كان لديه سؤال مشترك: “هل أكل السيّد الخامنئي في منزلكم شيئاً؟”.
يتناول “السيّد” الشاي ويسأل عن وظيفة والد رازميك وعن وظيفتي. يوضح الوالد أنّه كان طبّاخاً:
– كنتُ طبّاخاً في الكنيسة الإيطاليّة شارع فرنسا.
– طعامكم يختلف عن الطعام الإيرانيّ أم أنّه واحد؟
– لا، لا يوجد فرق، نفس الطعام.
– تطبخون حساء الخضار بالشعيريّة (الآش) والأرزّ باللّحم على الطريقة الإيرانيّة؟
– نعم نأكل هذه الأطعمة.
– وحيث إنّك خبير في الطبخ، فلا بدّ أنّك تساعد السيّدة في المطبخ، أليس كذلك؟
نضحك جميعنا من ملاطفة السيّد الخامنئي، وتقول هايكانوش:
– نعم يا سيّد، يساعد كثيراً.
يبتسم القائد بوجه والدي مؤيّدًا ومشجّعًا ويهزّ رأسه. وحتّى يستزيد من تأييد “السيّد” يقول الوالد:
– أولادي أيضاً تعلّموا فنّ الطبخ مؤخّراً.
– حسناً. لا بدّ أنهم قد تعلّموه من والدتهم!
ومجدّداً يضحك الجميع.
عندما يخطر ببالي أنّ اللّقاء سيُختَتم، يزداد حديثُ “السيّد” حلاوةً وتشويقًا:
– هل تذهبون بشكل دائمٍ إلى الكنيسة؟
يجيب الوالد: يوميَنْ أسبوعياً. ثمّ يسألني ويسأل هايكانوش: وأنتم الشباب هل تذهبون؟
أقول: أيّام السبت هناك مراسم، يعني نذهب كلّ ليلة أحد.
– هل يوجد كنيسة في الجوار؟
– نعم، إلى الأسفل قليلاً.
– كم كنيسة أرمنيّة يوجد في طهران؟
أعتقد يوجد خمس عشرة.
– هل يأتي السيّد آرداك مانوكيان[3] أيضاً؟ أين يلقي موعظته؟
أهزّ برأسي وأقول: “نعم، نعم، يأتي بالطبع، يحضر أكثر في كنيسة شارع فيلّا”.
يتحدّث السيّد الخامنئي عن تاريخ معرفته بالأسقف الأعظم مانوكيان:
– سنة إحدى وثمانين، في أوائل أيّام رئاستي للجمهوريّة، أتى للقائنا. هو من لبنان، جاء إلى إيران، وصار رئيساً للأرمن والأسقف الأعظم للكنائس الإيرانيّة. أتى لزيارتنا عندما كنتُ رئيساً للجمهوريّة وتعارفنا.
يسأل “السيّد” عن ابنتي الّتي لها أربع سنوات من العمر، وقد استشهد عمّها وخالها كذلك، عن آريللا المشغولة باللّعب. يسأل جدّة آريللا الّتي تجلس إلى جانبها:
هل هذه البنت الصغيرة ابنتك أو ابنة ابنتك؟
تشير الوالدة إلى هايكانوش وتقول: ابنة ابنتي.
يقول “السيّد”: تعالَيْ إلى هنا أيّتها الصغيرة؟ ما اسمك يا سيّدة؟
تجلس آريللا في حضنه، يمسح على شعرها بيده ويناغيها ويطبع قبلة على رأسها ووجهها.
أقول: اسمها آريللا.
تقول هايكانوش الّتي أدركت محبّة “السيّد” للّغة الأرمنيّة: سيّد، أريللا تعني اللّبوة.
ويُقرّر السيّد الخامنئي الّذي جعل ليلة عيدنا ليلة لا تنسى، أنّه حان وقت الذهاب.
– حسناً، هدفنا كان أن نبارك لكم هذا العيد أنتم وهذه السيّدة وهذه الأسرة الكريمة، وأن نعزَّيكم ونبارك لكم أيضاً ولو بعد خمس عشرة سنة على شهادة ولدكم. إن شاء الله أنتم موفّقون دائماً.
أنا وهايكانوش والوالد والوالدة، كلٌّ منّا يتشكّر “السيّد” بجملة. يقف السيّد الخامنئي، وبابتسامته اللّطيفة، يقدّم لوالدة الشهيد هديّة ويقول: “وهذه هديّتنا لجنابك أيّتها السيّدة”.
تقول الوالدة: “شكراً جزيلاً. أتعبتم أنفسكم. أشكركم”.
“وفّقكم الله وأيّدكم وأسأله أن يحفظ باقي أبنائكم”.
السيّد توماس داووديان والد الشهيد والسيّدة هايكانوش داووديان أخت الشهيد 06/2014م.
————————————————————————————————————
[1] المقصود هنا هو لقاء الإمام الخامنئي بعائلة الشهيد كارابتيان في سنة 1993م، والّذي قد ذكرت تفاصيله في الرواية السادسة عشرة من هذا الكتاب. أخو الشهيد كارابتيان هو صهر عائلة الشهيد داووديان.
[2] مدينتان استراتيجيّتان على الحدود بين إيران والعراق يصل بينهما جسر. استطاعت القوّات الشعبيّة في بداية الحرب ومن دون سلاح أن تدافع لمدّة أربعين يومًا عن خرّمشهر، لكن الخيانات والقصور الداخلي أدّيا إلى سقوط هذه المدينة. ومن بعدها تمّت محاصرة عبادان أهمّ مدينة نفطيّة في البلاد من قِبَل الأعداء، لكن بفضل المقاومة الشرسة للشعب والمقاتلين لم يتمّ احتلالها في أيّ وقت. وكان فشل حصار عبدان هو أول انتصار كبير للمقاتلين الإيرانيّّين. وبعد عدّة شهور في 24 أيار من العام 1982م وفي عمليّات “إلى بيت المقدس” وكما قال الإمام الخميني: “حرّر الله خرمشهر”.
[3] المرحوم السيّد آرداك مانوكيان، كان قبل 37 سنة، منذ عام 1961م الأسقف الأعظم للكنيسة الأرمنية في طهران. توفّي عام 1999م