ثمة نقطة مهمة أرى فيها إمكانية تقييم وضع العالم، وهي أنّ السلطة عندما تقع بأيدي غير الملتزمين بأي أصول أخلاقية، تشكل خطراً يهدّد البلاد. والعَالم اليوم، كله مبتلى بهذه الآفة، وقوع السّلطة بيد أشخاص لا يحملون ذرّة من الإنسانية.
فالقوى العُظمى والدّول المتسلطة لا تفكّر إلا ببسط سلطتها، وزيادة هيمنتها، وتضييع حقوق المظلومين. أما إذا كانت السلطة بيد إنسان كامل، فإنه يحقق الكمالات للشعوب. وإذا كانت بيد الأنبياء والأولياء الصالحين فإن ذلك يبعث على انتشار الأمن والسلم، وتحقُّق الكمال في العَالم أجمع. لكن إذا وقعت بأيدي المتجبرين الذين لا عقل سليماً لهم، ولا أخلاق، ولا أي مبدأ لهم فإنّ ذلك سيجلب مصائب وويلات لشعوب العالم. فالسلطة بيد الظالم تجرّ العَالم نحو الفساد. السلطة تكون كمالاً أحياناً، ويمكنها إبراز كمالها عندما تكون بيد إنسان وعَالم عاقل يدرك ما يفعل وما يجري حوله.
*السلطة الفاقدة للإنسانية تسبّب الفساد للعالم
نُقل لي أنّ المرحوم آية الله المدرّس رحمة الله عليه قال: إن الشيخ الرئيس (أبا علي ابن سينا) قال يوماً: إنني أخاف من البقرة، لأنها تملك قرناً ولا عقل لها. وهذه المسألة ملفتة للنظر؛ فالبقرة لها قرنان لكن لا عقل لها، تمتلك القدرة لكنها لا تمتلك عقلاً. وهذه القوى المتجبرة التي تنشر الفساد في العالم في الوقت الحاضر هي من نفس صنف مثالنا هذا، تمتلك القوة لكنها بعيدة عن الإنسانية. وليس صحيحاً ما تطلقه هذه القوى من ادعاءات من أجل نشر السلام في العالم. فإذا كنتم بشراً تحملون صفات الإنسان وكان فيكم شيء من الإنسانية والمعايير الأخلاقية، لكنتم راعيتم حالة المحتاجين والشعوب الضعيفة والبائسة. لكن هؤلاء لا يتحلّون بأية مبادئ أخلاقية، وكل همهم التسلط وفرض إرادتهم على الآخرين. يمتلكون القوة لكن لا عقل لهم.
والملاحظ أنه في أي مكان من العَالم يتسلل إليه الفساد، يدل على أن الذي يحكم فيه، يمتلك القوة والسلطة لكنه لا يمتلك عقلاً، يمسك بزمام الأمور لكنه عديم الإنسانية. والعقل الذي أقصده هو ذلك الذي “عُبِدَ بهِ الرّحمن“، وإلا فإنّ هؤلاء يمتلكون الحيل الشيطانية والتدبير، لكنهم لا يمتلكون العقل السليم الذي يمكن أن يصل بالإنسان إلى القيم الإنسانيّة السامية. فمن الممكن أن يكون أحد الأشخاص عالماً كبيراً إلا أنه يفتقد العقل، لذلك نراه يستخدم علمه في نشر الفساد وإفساد الشعوب وقتلهم تحت التعذيب.
*مراعاة التواضع
أود أن أقول إنه لا ينبغي لنا دائماً توجيه الانتقاد لمن هم فوقنا، بل علينا أن نأتي للأدنى منهم، نأتي لأنفسنا. فمن الممكن أن يكون أحد شبابنا مهذباً للغاية وأخلاقه عالية، لكنه يمكن أن يتحول إلى فرد ظالم بالتدريج.
أوصيكم بالالتفات إلى نقطة مهمة أيضاً، وهي التمسك بصفة التواضع. عندما تصلون إلى السلطة والقدرة، وعندما تصبحون رؤساء لمجموعة عليكم الانتباه والاهتمام بمراعاة التواضع وتجنب الغرور. لأنه إذا دخل إلى نفوسكم الضعف والتكاسل، فإنكم ستهزمون وتفقدون هذه القدرة المعنوية جراء نزغات الشيطان.
*انتبهوا إلى دوافع أعمالكم
وأنتم يا من تبذلون كل هذه الجهود وتقدمون الخدمات الجليلة للإسلام، سواء في الجبهات أم في الخطوط الخلفية، إن خدماتكم قيمة جداً، وأوصيكم بالحفاظ على هذه القيمة. فمعيار تقييم العمل لا يكمن في ظاهره وإنّما في الحافز للعمل وفي مغزاه والهدف منه.
قد يصدف أحياناً تشابه عملين في الوضعية. السيف الذي كان بيد أمير المؤمنين سلام الله عليه يقتل مثلاً عمرو بن عبد ودّ. حالة هذا العمل لو قارناها بحالة عمل آخر حيث يكون السيف بيد شخص يقتل به شخصاً آخر، لرأينا أن العملين متشابهان في الشكل، ففي الحالتين يوجد سيف واحد بيد شخص يقتل شخصاً آخر. لكن الضربة في الحالة الأولى اعتبرت تعادل عبادة الثقلين نظراً للدافع والهدف من ورائها. فالدافع في هذا العمل هو الذي ارتقى به إلى هذه الدرجة “يعادل عبادة الثّقلين“، والدافع للعمل هو الذي جعل عدة أقراص من خبز الشعير، تصدق بها أهل البيت عليهم السلام إلى مسكين ويتيم وأسير، تستحق أن تنزل بحقّهم آياتٌ في القرآن الكريم. والشيء المهم هنا هو أن الدافع لعمل إلهي وعندما يكون خالصاً لله، فإن جزاءه سيكون من الله سبحانه.
وأنتم شبابنا الأعزاء، في الوقت الذي تقدمون كل هذه الخدمات للإسلام وواثقون من أن خدماتكم وتضحياتكم لها قيمة عالية وجزاء كبير، فإني أوصيكم بالانتباه إلى معنوياتكم وباطنكم وأن تكونوا على حذر لئلا ينزغ الشيطان في قلوبكم ويندسّ في هذا العمل. فالقدرة بأيديكم وعليكم الحذر لئلا تستخدموا هذه القوة في المعاصي والمنكرات. راقبوا أنفسكم وانتبهوا لأعمالكم. وكل ما أقوله. لا يختص بكم وحدكم، بل لا بد أن يأخذ الجميع هذا الأمر بعين الاعتبار.
*توظيف القدرة في مكانها المناسب
لقد استعمل الأنبياء عليهم السلام قدراتهم في محلها. ونبينا موسى عليه السلام أخذ عصاه وواجه بها فرعون وتحداه، لكنه استعملها مع الآخرين في مواطن الود والمحبة. كما استعمل نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله قدرته ونفوذه لمواجهة غطرسة أشخاص كانوا يضللون الناس ويجرونهم إلى الفساد والضلال. فالقدرات والإمكانات يجب استغلالها وتوظيفها لمنع وقوع المفاسد لا لجلب الفساد.
والفرق بين الأعزاء المقاتلين على جبهات الإسلام ومن يحاربونهم في الجبهة المقابلة رغم أن ظاهر العمل واحد، لكن القتل على الجبهات إنما هو عمل عبادي عند الفريق الأول في حين أن أعمال القتل التي تُرتكب في الجهة المقابلة هي أعمال إجرامية. وهذا يميّزه دافع العمل والهدف منه. فهؤلاء يجاهدون في سبيل الله، وهم أتباع الله وأولئك يقاتلون في سبيل الشيطان، وهم أتباع للشيطان. هذا هو الفرق بين هذين الأمرين.
*مراعاة الجوانب الإنسانية
يجب مراعاة الجوانب الإنسانية، والحفاظ على الأخلاق الإنسانية حتى الشهادة وإلى آخر لحظة من عمرنا، وأن لا يسيطر علينا الغضب ونقوم بأعمال غير لائقة بنا. آمل أن تصبحوا -وعبر مراعاة الجوانب الإنسانية والمبادئ الإسلامية- قدوةً ونموذجاً، إذ إن أدعياء القوة تعتريهم حالة جنونية في الأيام الأخيرة من عمرهم. فهم عندما تكون القدرة والقوّة بأيديهم يتبجّحون ويبرزون عضلاتهم، لكنّهم يصبحون في غاية الضعف عندما يتعرّضون لأدنى هزيمة. وهذا الضّعف في المعنويات هو الذي يؤدي بالإنسان إلى مهاجمة الأبرياء، وحتى الأطفال. فالذين يتحلون بالإيمان لا يصيبهم الضعف أو الانكسار ولا يعتدون على أحد…
نسأل الله تعالى أن يمنّ بالعقل على أصحاب القرون، ويجعل الأقوياء يتصفون بالإنسانية أو يسلب منهم القدرة، وليعزّكم الله وليزد في عزّتكم إن شاء.
*من خطابٍ ألقاه الإمام الخميني قدس سره في حسينية جماران (طهران) بتاريخ 30 محرم 1404هـ .